الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
299 - رقم الاستشارة : 755
21/01/2025
أنا أم لطفل يبلغ من العمر 12 عامًا، بدأت مشكلتي معه منذ أن لاحظت ميله المتزايد إلى الكذب، حتى أصبح الكذب جزءًا لا يتجزأ من حياته اليومية. يكذب بشأن واجباته المدرسية، عن كيفية قضاء وقته مع أصدقائه، وحتى في الأمور البسيطة مثل ما إذا تناول وجبته أو لا. حاولت مواجهته عدة مرات، لكنه إما ينكر الكذب أو يبرره بطريقة غريبة. أنا أشعر بالعجز والإحباط، وأخشى أن يتحول هذا السلوك إلى عادة دائمة تؤثر على مستقبله وشخصيته. المشكلة أنني لا أعرف السبب الحقيقي وراء كذبه، ولا أريد أن أفقد التواصل معه أو أسبب له المزيد من الضغوط النفسية. أحيانًا أعاقبه بشدة على كذبه، لكنني أخشى أن ذلك يزيد الوضع سوءًا. كيف أتعامل مع هذا السلوك دون أن أضر بعلاقتي معه؟
عزيزتي الأم السائلة.. أقدر قلقك على ابنك وخاصة وهو على أعتاب سن المراهقة، كان الله بعونك وجعله قرة عين لك...
غاليتي، الكذب في هذا العمر قد يكون وسيلة للتعامل مع الضغوطات أو تلبية احتياجات لم يتم تلبيتها بطريقة صحيحة، مثل الحاجة إلى الاعتراف (Need for Recognition)أو الحماية الذاتية (Self-Protection).
▪ ومن الأسباب النفسية الشائعة للكذب في هذه المرحلة العمرية:
1- الخوف من العقاب أو :(Fear of Punishment) إذا كان الطفل يتعرض لعقاب شديد، فقد يميل إلى الكذب لحماية نفسه.
٢- الرغبة في إثارة الإعجاب: قد يكذب لإظهار نفسه بشكل أفضل أمام أقرانه أو والديه.
٣- كذلك البيئة المحيطة: إذا كان يرى الكبار يكذبون حتى في مواقف بسيطة، قد يتعلم أن الكذب أمر طبيعي أو وسيلة لتحقيق الأهداف.
▪ ولذلك هناك عدد من التوصيات التربوية يفضل اتباعها من المربي :
١- التعامل النفسي والتربوي:
- كالتواصل المفتوح (Open Communication): اجلسي مع ابنك في أوقات هادئة، ووضحي له أهمية الصدق بطريقة محببة.. اسأليه عن مشاعره وأسبابه دون الحكم عليه أو لومه.
- تجنب العقاب المبالغ فيه: حيث إن العقاب الشديد يدفع الطفل لمزيد من الكذب؛ ولذلك من الأفضل أن تستبدلي به عواقب طبيعية أو منطقية تعمل على إقناعه وليس إجباره.
- تعزيز السلوك الإيجابي (Positive Reinforcement): قدمي له المكافآت على صدقه، حتى لو كانت صغيرة، مثل كلمات التشجيع: "أنا فخورة بك لأنك قلت الحقيقة."
- القدوة الصالحة (Role Modeling): كوني أنت وزوجك نموذجًا في الصدق، إذا وعدته بشيء، فاحرصي على الوفاء به، وتجنبي الكذب أمامه حتى لو كان بسيطًا.
2- هناك أيضًا نوع من العلاج العملي يسمى بالعلاج السلوكي المعرفي أو (Cognitive Behavioral Therapy - CBT):
- ساعديه على فهم عواقب الكذب وتأثيره على علاقاته مع الآخرين.
- دربيه على تقنيات التعبير عن مشاعره ومخاوفه بطرق صادقة (Emotional Expression).
* ثم عليك عزيزتى بتعزيز فضيلة الصدق، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، اشرحي له أن الله يحب الصادقين، وأن الصدق من صفات الأنبياء والمؤمنين.
- وبعدها وجب عليك التحذير من عاقبة الكذب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذابًا".. وضحي له أن الكذب ليس مجرد سلوك خاطئ، بل يؤدي إلى نتائج خطيرة في الدنيا والآخرة.
- من المهم أيضًا تعزيز قيمة الصدق لديه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة".. اشرحي له أن الصدق يجعله محبوبًا ومقبولًا بين الناس ويقوده إلى الخير دائمًا.
وإليك الآن عزيزتي الأم السائلة بعض الخطوات عملية لتغيير سلوك الكذب عند ابنك:
1- قصص مؤثرة: استخدمي القصص القرآنية والنبوية عن الصدق، مثل قصة النبي إبراهيم عليه السلام عندما قال الحقيقة عن كسر الأصنام.
2- حوار حول العواقب: اجعليه يشارك في الحديث عن تأثير الكذب على الثقة، وكيف يمكن أن يضر علاقته مع الآخرين.
3- تحديد الأهداف: حددي معه أهدافًا صغيرة لتقليل الكذب تدريجيًّا، مثل الاتفاق على "يوم صادق" كل أسبوع، حيث يلتزم بقول الحقيقة.
4- خلق بيئة آمنة: اجعليه يشعر بالأمان للتعبير عن نفسه دون خوف.. أكدي له أنك ستدعمينه حتى لو ارتكب خطأ، ما دامت لديه الشجاعة ليقول الحقيقة.
* همسة أخيرة إلى عزيزتى الأم القلقة:
التعامل مع الكذب يتطلب صبرًا وحكمة من الأم، مع استخدام أساليب تربوية إيجابية لتعزيز الصدق.
بناء علاقة قائمة على الثقة والتواصل المفتوح سيمنح الطفل الشعور بالأمان الذي يحتاجه ليترك هذه العادة إن شاء الله تعالى.
التربية الصحيحة تتطلب التوازن بين الحزم واللطف، مع تذكيره دائمًا بقيم دينه ومبادئه الأخلاقية بكل حب واحتواء.