22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 47
  • رقم الاستشارة : 938
10/02/2025

أبنائي وبناتي في مرحلة الشباب، وهم اعتماديون علي ماديا وأنا ألبي لهم كل طلباتهم وأعاملهم بشكل طيب، لكني لا أجد منهم التقدير الكافي ولا أشعر منهم بالطاعة والاحترام، ليست هناك إساءة مباشرة لكن ليس هناك شكر ولا تقدير ولا اهتمام ولا سؤال، أفتقد هذا الشعور منهم، وقد لجأت مؤخرا إلى أسلوب المقاطعة وعدم الحديث إليهم وعدم الرد عليهم، لكني لم أشعر أن هذا أثر فيهم، فما العمل؟ المشكلة أن أمهم لا تبذل جهدا في هذه الناحية ولا ترشدهم وقد تكون تفعل لكن ليست هناك استجابة، وقد طلبت منها كثيرا ذلك الأمر، لكنها إما تدللهم أو لا تقدر عليهم.

الإجابة 10/02/2025

أخي السائل، كان الله بعونك، أُقدر تمامًا ما تمر به من مشاعر تجاه مشكلتك مع أبنائك، هداهم الله وبارك لك فيهم.. فالمشكلة التي تواجهها تتعلق بمفهوم "التنشئة الأسرية المتوازنة"، حيث يظهر لديك شعور بعدم التقدير والاحترام من أبنائك، على الرغم من أنك تلبي احتياجاتهم المادية وتعاملهم معاملة طيبة، وهذا يشير إلى وجود خلل في التعزيز الإيجابي للسلوك أو ما يسمي بـ Positive Reinforcement، حيث اعتاد الأبناء على الحصول على الدعم المادي والعاطفي منك دون إدراك قيمته؛ ما أدى إلى التطبيع على الاعتمادية، بدلًا من تنمية الاستقلالية والمسؤولية.

 

كما أن أسلوب المقاطعة والصمت، رغم أنه قد يكون أحد أشكال التعزيز السلبي Negative Reinforcement، فإنه لم يحقق التأثير المطلوب، مما يعني أن الأبناء قد أصبح لديهم تحصين انفعالي وهو ما يعرف بـ Emotional Immunity ضد هذا الأسلوب بسبب التعود عليه.

 

ولذلك سوف أُهدي إليك بعض النصائح، والأساليب التربوية السليمة، للتعامل مع أبنائك، وأتمنى أن تتبعها معهم حتى تأتي معكم بنتائج مرضية إن شاء الله تعالى:

 

1- إعادة ضبط التوازن التربوي بين العطاء والمسؤولية.. بمعنى أنه يجب الانتقال من العطاء غير المشروط إلى العطاء المشروط بالمسؤولية أو (Conditional Giving)، أي أن الدعم المادي والعاطفي يكون بناءً على تحقيق التزامات معينة، مثل احترام الأب والتواصل الفعّال وغيرهما من السلوكيات المنضبطة التى يستطيع أبناؤك فعلها.. والإسلام أكد على أهمية الجزاء العادل، فلقد قال الله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾، أي أن الحصول على النعم يجب أن يكون مقرونًا بالسعي والتقدير، فأتمنى أن تستطيع أن توصل لهم تلك الرسالة المهمة والتأكيد عليها.

 

2- من الجيد أيضًا أن تتبع معهم أسلوب التحفيز بالمكافأة والتقدير.. حيث إن تطبيق مبدأ "التعزيز التفاضلي" (Differential Reinforcement) مع الشباب في هذه المرحلة مهم وضروري، بمعنى أن تقوم بتحديد سلوكيات إيجابية (مثل السؤال عن الأب أو التعبير عن الامتنان) ومكافأتها فور حدوثها، سواء بكلمة طيبة أو هدية رمزية؛ فديننا الحنيف يدعو إلى التقدير والامتنان، فقد قال النبي ﷺ: "مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ".

 

وهنا ولجذب انتباههم إلى تلك النقطة التقديرية، يمكنك أن تُوجّه رسالة غير مباشرة للأبناء عن طريق الثناء على أحدهم عند إبداء الاحترام؛ ما يحفز الآخرين على تقليده ويعتادون على تلك الأخلاق الطيبة.

 

3- لا بد من بناء الحوار القائم على التعاطف والتفاهم بينك وبين أبنائك، فبدلاً من المقاطعة، استخدم حوار الدافع العاطفي أو الـ(Motivational Dialogue)، حيث تعبر عن مشاعرك بلغة صريحة، مثل: "أنا أشعر بالحزن لأنني أقدم لكم الكثير ولا أجد المقابل في التقدير"، مع تجنب العصبية أو أسلوب اللوم المباشر الذي قد يثير الدفاعية لديهم في تلك المرحلة العمرية.

 

والأفضل أن نقتدي بنبينا محمد، فهو قدوتنا ومعلمنا واستخدام أسلوبه ﷺ في الحديث مع الشباب، فقد كان يقول: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ..."، وهو أسلوب قائم على التوجيه الهادئ وليس التأنيب، وهكذا.

 

4- نأتي إلى دور الأم.. فلا يكتمل ويثمر تعديل أسلوب التربية من الأب بدون التعاون معها.. فلا يجب إلقاء اللوم بالكامل على الأم، ولكن يمكن إشراكها في الحل، فتكامل أدوار الأب والأم معًا ضروري جدًّا لتقويم سلوك الأبناء، وذلك عبر تحديد دور متوازن للأم، بحيث لا تبالغ في التدليل ولا تكون عاجزة عن التأثير.

 

فيمكنك عزيزي الأب، تذكيرها بأن التربية مسؤولية مشتركة، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، أي أن التربية مسؤولية لا بد أن يتشاركها الوالدان معًا.

 

كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"... فديننا لم يخص الأب فقط أو الأم فقط بالرعاية والتوجيه وإنقاذ الذرية والأهل من الموبقات.

 

5- أيضًا سلوك صحي جدًّا، لا بد من اتباعه بعض الأوقات، ألا وهو تطبيق استراتيجية "التجاهل الانتقائي" مع بعض السلوكيات.

 

فإذا كان الأبناء لا يقدمون الشكر، فلا يجب الرد عليهم بالصمت المطلق، ولكن يمكن التجاهل الانتقائي لبعض الطلبات المادية غير الضرورية، والتي لا يكون لها تأثير سلبي على ضروربات الحياة، من صحة مثلا أو تعليم، وهنا أنت تنتقي الأشياء التي سوف تتجاهل تحقيقها كمطالب ملحة لهم ولكن غير ضرورية، وبدون إيذاء لأساسيات الحياة والمعيشة، بحيث يشعرون بأن العطاء مرتبط بالتقدير.

 

مثلًا، إذا طلبوا دعمًا ماليًّا لشيء غير ضروري، يمكن الرد بـ: "سأكون سعيدًا بمساعدتك عندما أجد منك احترامًا وتقديرًا لحضوري في حياتك" (وهذه تربية)، وكثيرًا ما يتبعها بعض أولياء الأمور بدون دراسة أو تحليل، ولكنها تأتي غالبًا بنتائج جيدة من فضل الله.

 

6- الأبناء يحتاجون دومًا لمن يرقق قلوبهم نحو الأبوين وأن يذكرهم بفضلهما وقدرهما عند الله تعالى، وأن رضاهما من رضا الله عز وجل.. فكن حريصًا على إشراك شخص ثقة يحبهم ويحبونه ليقوم بهذه المهمة، مثل العم، العمة، الخال، الخالة، أو أحد الأقارب أو الأصدقاء المقربين منكم؛ فديمومة الكلام من هذا النوع لها تأثير إيجابي رائع على سلوكيات الأبناء، وخاصة إن صدر من شخص محبوب لأبنائك، ويتمتع بالحكمة واللسان الطيب، "فإن من البيان لسحرا".

 

بهذه الأساليب، ستكون إن شاء الله تعالى قد طبقت "التربية المتوازنة بين الحب والهيبة" وهي من أهم مبادئ علم النفس التربوي والإسلامي في تربية الأبناء على الاحترام والتقدير.

 

* همسة أخيرة للأب الفاضل:

 

سيدي.. عليك أن تعي جيدًا أن أبناءك لم يصبحوا أطفالاً صغارًا كما كانوا، بل أصبحوا ما شاء الله رجالاً صغارًا، ولا بد أن تعطيهم مساحة من التفكير والتعبير عن الرأي حتى تصبح لكل منهم شخصيته المستقلة، وفضلاً عن طبيعتهم العمرية في الاندفاع والحماس والثورة الداخلية، فهم اليوم أيضًا يواجهون تحديات كبيرة وأنماطًا مختلفة تغزو عقولهم وتسيطر على حياتهم كان الله بعونهم وعوننا على تكملة رسالتنا تجاههم.

 

كذلك فإن التغيير هو سنة الحياة، فلا بد من مرونة في التفكير معهم وتقبل التغيير منهم والذي يطرأ عليهم أيضا فكريًّا وفسيولوجيًّا، وكما قيل: "ربوا أبناءكم على غير ما رُبيتم عليه، فإنهم خُلقوا لزمانٍ غيرِ زمانِكم". وهذا يعني ضرورة التكيف مع العصر الحديث في التربية، بحيث يكون الأسلوب مرنًا ولكن غير متساهل، فلا تكن لينًا فتُعصر، ولا صلبًا فتُكسر.

 

- تذكر أيضًا أن تسعة أعشار الراحة، في التغافل، كما قال الإمام أحمد بن حنبل.. فهناك أمور من الصحي والجيد ألا نقف عندها في كل موضع، وبالطبع هناك أيضًا ما لا يجب أن نغفل عنه أبدًا، فخير الأمور الوسط.

 

- ونصيحة أخيرة: لا تُرهق نفسك وأعصابك كل الوقت، فأبناؤك يحتاجون لوجودك بينهم بصحة جيدة وهذا لن يتوفر في ظل الضغوط النفسية والعصبية التي تضع نفسك فيها، فما عليك غير النصح والإرشاد وإبداء الرأي، ثم ترك الأمور كلها لله عز وجل.

 

أسأل الله تعالى أن يهدي أبناءك وأبناءنا وذرارينا جميعا لكل خير يرضيه.