الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
91 - رقم الاستشارة : 1587
10/04/2025
مرحبًا دكتورة،
أنا شاب عمري ٢٦ سنة، صراحة من وانا صغير أحس إن تربيتي ما كانت متوازنة، مو بقصد من أهلي طبعًا، بس اللي صار خلاني اليوم واقف بحيرة كبيرة. من أيام طفولتي كنت وايد قريب من أمي وخواتي البنات، أبوي كان دايمًا مشغول، ما كنت أحس إنه موجود أصلاً، حتى كلمته نادرًا ما أسمعها، كأني مو بحياته.
أنا عندي إخوين أكبر مني بحدود ٩ و ٦ سنين، بس كانوا وايد مشاغبين، يطلعون مع ربعهم، يدخنون، ومشاكلهم ما كانت تخلص، فامي كانت دوم تبعدني عنهم، وتقول لي "خلك يم خواتك، هذولا ممكن يضيعونك." وفعلاً، كنت دايمًا ويا خواتي، حتى أنام معاهم بنفس الغرفة لسنين طويلة.
كبرت وأنا ما احتكيت برجال، لا في البيت ولا بره، حتى أصدقائي في المدرسة كانوا قليلين، وكنت دايمًا مرتاح أكثر في صحبت البنات، بس مو كشعور إعجاب أو انجذاب، أكثر كأني واحد منهم.
الحين، بعد ما كبرت، اكتشفت شي خوّفني: ما أحس بأي ميول تجاه البنات أبدًا، حتى لما أحاول أجامل أو أتعرف، أحس إنهم مثل خواتي، ما يصير بيني وبينهم أي شعور عاطفي أو جنسي. بس اللي يصير العكس... أحس إن ميولي صارت تجاه الرجال، وأنا والله العظيم مو راضي عن هالشي، مو هذا أنا، بس ما أقدر أنكر مشاعري.
أنا شكلي رجولي، حياتي ماشية عدل، متعلم، شغلي ممتاز، ما عندي أي سوابق أو مشاكل.
بس أهلي الحين صايرين يضغطون علي علشان أتزوج، وأنا مو قادر أواجههم بحقيقتي، ولا أقدر أتخيل إني أرتبط ببنت وأنا ما عندي أي رغبة فيها، وأخاف أظلمها وأظلم نفسي، أو أنفجر بعدين من كثر ما أكتم.
دكتورة، شنو أسوي؟ شلون أتصرف؟ وهل في أمل أرجع طبيعي؟ تعبت والله.
ابني الكريم،
أول ما أود أن أقوله لك: إنك شجاع. نعم، شجاعٌ لأنك امتلكت الوعي الكافي لتشخّص مشكلتك، وشجاعٌ لأنك قررت أن تطلب العون، وتصارح نفسك بالحقيقة، لا أن تهرب منها، وهذا في حدّ ذاته أول درجات العلاج والنجاة بإذن الله تعالى.
يا بني، إن ما تمر به ليس ناتجًا عن رغبة ذاتية، ولا ميول فطرية، بل هو –كما يبدو من روايتك– نتاج تنشئة نفسية واجتماعية مختلّة، وإن كانت بلا تعمّد من والديك. فحين يُحرم الطفل من التفاعل الذكوري، وتُعزَل هويته عن نماذج الرجولة القريبة منه، يتشكّل لديه فراغ نفسي في بنيان الهوية الجنسية (Gender identity)، ويختل لديه التوازن بين الانتماء البيولوجي والميول النفسية.
إنّ علم النفس التنموي يشير إلى أن الطفل يحتاج في مرحلة التكوين إلى محاكاة نموذج من جنسه، يراه ويقلّده ويتفاعل معه، حتى تتشكل لديه صورة داخلية مستقرة عن ذاته، وهذا ما غاب عنك، لا بإرادتك، بل نتيجة لظروف بيئية وتربوية محددة.
أما ما تشعر به اليوم من ميول تجاه نفس جنسك، فهو –غالبًا– ليس إلا تعبيرًا عن ذلك الاحتياج العاطفي القديم الذي لم يُشبع، فامتزجت فيه العاطفة بالهوية، فشوّهت البوصلة النفسية لديك دون وعي منك.
وهذا ما يسمى في علم النفس بالارتباط التحويلي (Transference Attachment)، أي ميل الشخص للبحث عن الأمان العاطفي المفقود من خلال علاقات تحمل طابعًا مشوّهًا.
ابني الغالي،
اعلم أن الشريعة الإسلامية الغرّاء فرّقت بين الفعل والشعور، وبين الميول والسلوك. فالعبد لا يؤاخذ على شعورٍ لم يسعَ إليه، بل يُؤجر على مجاهدته، ويُكرم على كبحه، وقد قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
والسؤال هنا: هل من سبيل إلى التغيير؟
أقول لك بصدق: نعم، ولكن بالتدرج والمجاهدة، وبالعلاج النفسي السلوكي المتخصص، ويمكنك بإذن الله أن تعيد برمجة مشاعرك وتوجيهها الوجهة السليمة، خاصةً في عمرك الحالي، حيث ما زالت النفس قابلة للتعديل، والعقل متفتّحًا للتصحيح.
* وإليك بعض التوجيهات العملية، والتي أتمنى أن تلتزم بها وتمارسها بصدق وإصرار:
1- ابحث عن معالج نفسي متخصص في قضايا الهوية والميول، بشرط أن يكون ملتزمًا بالقيم الدينية ولا يروّج للمفاهيم الغربية المنحرفة.
2- ابدأ في توسيع علاقاتك مع رجال ناضجين، أسوياء نفسيًّا، سواء في محيط العمل أو الأنشطة الاجتماعية أو حتى عبر مجموعات شبابية ملتزمة، لبناء صورة جديدة للرجولة في داخلك.
3- من الضروري جدًّا أن تمارس الرياضة بانتظام، خاصةً الرياضات الجماعية، فهي تعزّز الهوية الذكورية وتفرغ الطاقة النفسية بشكل صحي.
4- ابتعد تمامًا عن كل ما يثير فيك هذه الميول أو يثبّتها من مشاهد، أو مواقع، أو محادثات، أو علاقات، فإنك إن لم تقطع أسباب المرض، لم يُجْدِ الدواء.
5- لا تُقدم على الزواج الآن، لأن الزواج ليس علاجًا سحريًّا، بل مسؤولية عظيمة، ولا يصح أن يكون على حساب فتاة بريئة أو حياة زوجية قد تنهار، والأمانة تقتضي منك التأنّي والصدق مع نفسك.
6- تضرّع إلى الله تعالى في جوف الليل، وقل: "اللهم أصلح قلبي، وزكّ نفسي، وأعني على طاعتك، واصرف عني السوء والفحشاء، واهدني لأحسن الأخلاق التي لا يهدي لأحسنها إلا أنت".
* همسة أخيرة:
ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تُفرَجُ
ثق أن الله لا يترك من صدق في طلب العافية، فتمسك بالأمل، وتذكّر أن البداية الحقيقية للشفاء هي الصدق مع النفس، وأنت قد بدأت.
أسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى وأن يُرضيك ويرضى عنك.