22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 83
  • رقم الاستشارة : 1035
18/02/2025

أنا شاب في مرحلة المراهقة، أشعر بأنني لا أعيش كما يعيش الآخرون. حياتي تفتقر إلى الأصدقاء والتواصل، ويغلب عليها الصمت. أعاني من عدم الرضا عن مستواي الدراسي، ولكنني في الوقت ذاته لا أتمكن من اتخاذ خطوة فعلية للتغيير. إذا كنت غير راضٍ عن أدائي الأكاديمي، فلماذا لا أضع خطة واضحة للتحسن؟ وإذا كنت أهمل صحتي الجسدية، فما الذي يمنعني من الالتزام بنظام غذائي متوازن أو ممارسة الرياضة بانتظام؟ وإذا كانت هناك علاقات سامة في حياتي، سواء مع الأصدقاء أو أفراد العائلة، فلماذا لا أضع حدودًا تحميني نفسيًا وعاطفيًا؟

 

أشعر بأنني محاصر في هذا الوضع، إذ إن والدتي مطلقة، ووالدي متزوج من أخرى ويعيش حياته بعيدًا عني. كما أنني أعاني من التلعثم في النطق، وهو ما تفاقم بسبب أسلوب والدي في التعامل معي، حيث يقابل محاولاتي في التعبير عن نفسي بالإهانة والضرب على فمي. أصبحت غير قادر على التحدث بحرية، وغير قادر على عيش حياة طبيعية. لا أجد من يفهمني، ويغلب الصمت على أيامي.

 

ولكن، هل أنا من اخترت هذا الوضع؟ لماذا لا أتمكن من التحرك والتغيير؟ لماذا لا أمنح نفسي فرصة للتحسن؟ كل يوم يمر وأنا عالق في مكاني، محاصر بين جدران البيت وأفكاري. إذا كنت غير راضٍ عن حياتي ولم أتخذ خطوات لتغييرها، فهل هذا يعني أنني أنا من اخترت أن أعيش بهذه الطريقة؟

الإجابة 18/02/2025

ابني الحبيب،

 

أولًا، أود أن أخبرك بأن مشاعرك هذه مشروعة تمامًا، وما تمر به ليس سهلًا على الإطلاق. إن مرحلة المراهقة بحد ذاتها تحمل العديد من التحديات النفسية والاجتماعية، فكيف إذا اجتمعت مع الظروف العائلية الصعبة التي تعيشها؟ لكن، ورغم ذلك، فإن واقعك الحالي لا يعني أبدًا أنه قدرك المحتوم، ولا يعني أن لا سبيل للخروج منه.

 

- ففي البداية عليك أولًا تتفهم أن ما تشعر به من إحباط وحزن هو انعكاس طبيعي لما مررت به من تجارب مؤلمة، وهو ما يُعرف بـ Learned Helplessness أو "العجز المتعلم"، حيث يشعر الإنسان أنه فقد السيطرة على حياته بسبب التعرض المتكرر للمواقف السلبية دون امتلاك أدوات المواجهة المناسبة. لكن الحقيقة أن هذا العجز ليس حتميًّا، وإنما يمكن تغييره تدريجيًّا بتطوير المهارات المناسبة وإعادة بناء الثقة بالنفس.

 

- ثم تدرك أن البيئة لا تعني أنك بلا قوة.. فصحيح أن الظروف العائلية قد تكون مؤثرة، لكنك لست مجرد ضحية لها، بل لا تزال لديك خيارات وإمكانات يمكنك استثمارها للخروج من هذا الوضع، يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}، وهذه الآية تؤكد أنك تمتلك القدرة على إحداث التغيير، ولو بخطوات صغيرة.

 

* ولذلك فسوف أهديك خطوات عملية إن شاء الله تساعدك على الخروج من العزلة والصمت:

 

1- من الضروري أن تحسن من مهارات التواصل.. فبما أنك تعاني من التلعثم، فمن المفيد أن تتعامل مع مختص في (Speech Therapy) علاج النطق والتخاطب، حيث يمكن أن يساعدك ذلك على تطوير طريقتك في التعبير عن نفسك بثقة.

 

2- ومن الضرورى أيضًا أن تقوم ببناء شبكة دعم اجتماعي.. حتى لو كنت تشعر أن الأصدقاء قليلون، يمكنك البدء بالتواصل مع أشخاص يشاركونك نفس الاهتمامات، سواء عبر الأنشطة المدرسية أو عبر الإنترنت على أن تكون بيئات إيجابية وآمنة، وأؤكد على ضرورة أن تكون "آمنة".

 

3- لا بد أن تعمل أيضًا على تحسين الجانب الأكاديمي.. فلا تجعل خوفك من ضعف مستواك الدراسي عائقًا أمامك. ابدأ بوضع خطة دراسية تدريجية، ولا تشعر بالإحباط من البداية. تذكر أن التقدم البسيط أفضل من الجمود.

 

4- يجب أن تكون حريصًا على ممارسة الرياضة والعناية بصحتك.. حيث إن النشاط البدني لا يؤثر إيجابًا فقط على الصحة الجسدية، بل يحسن الصحة النفسية عبر تقليل التوتر وتحفيز إفراز هرمونات السعادة، مثل Endorphins.

 

5- عليك يا ابني الغالي، أن تتدرب على كيفية التعامل مع العلاقات السامة.. فإذا ما كان هناك أفراد في حياتك يعاملونك بأسلوب مؤذٍ، فمن حقك أن تضع حدودًا لحماية نفسك. يقول النبي ﷺ: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسلمه"، وهذا يشمل حتى العلاقات الأسرية، إذ لا يحق لأحد أن يؤذيك أو يقلل من شأنك.

 

حاول أن تتعامل مع هذه المواقف بحكمة، وإن كان التواصل صعبًا مع من حولك، فابحث عن شخص موثوق منه، يمكنك اللجوء إليه، مثل أحد الأقارب أو المعلمين.. مع مراعاة ألا تتجاوز مع أرحامك ومن هم أكبر منك سنًّا، كذلك لا بد أن تكون حريصًا على بر والدك، وعندما تضع حدودًا للتعامل أو تعترض على أسلوبه معك فلا بد وأن يكون بأدب جم.

 

6- كما أوصيك بإعادة تعريف ذاتك وبناء ثقتك بنفسك.. فلا تجعل الآخرين يحددون قيمتك. أنت لست مجرد شخص محاصر بين الجدران، بل لديك عقل وقلب وروح تستحق أن تعيش بكرامة وسعادة. قد تكون البداية صعبة، ولكن كل خطوة صغيرة نحو التغيير ستمنحك قوة أكبر بإذن الله تعالى.

 

وأخيرًا، لا تنسَ اللجوء إلى الله في كل وقت، والدعاء بأن ييسر لك الخير، وقبله التزامك بالفرائض والعبادات، فكلما تقربت إلى الله تعالى كنت في مأمن من كل سوء، يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.. فالسعي وحده كفيل بأن يفتح لك أبوابًا لم تتخيلها.. ولقد قال الله تعالى في حديثه القدسي: "... من تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقربْتُ منه ذراعًا ومن تقرَّبَ إليّ ذراعًا تقربتُ منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيتُه هرولةً".

 

* ثم همسة أخيرة لابني الغالي:

 

أنت أقوى مما تظن، والخروج من هذا الوضع ممكن، فقط ابدأ بخطوة واحدة اليوم.