Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 349
  • رقم الاستشارة : 1569
09/04/2025

مساء الخير يا دكتورة، أنا مش عارف أبدأ منين، بس أنا محتاج أتكلم مع حد كبير ويفهمني.. أنا عندي 16 سنة، واللي حصل معايا هزّني من جوا ومش قادر أستوعبه.

من كام أسبوع، أمي اتصورت بكاميرات محل وهي بتاخد كام عباية من غير ما تدفع تمنهم. صاحب المحل عرف، وجاب الشرطة، بس بعد تدخل ناس من قرايبنا، الموضوع اتحل وامي رجعت العبايات وما اتعملش فيها محضر ولا دخلت السجن ولا حاجة.

أنا من ساعتها وانا مش قادر أبصلها زي زمان، وبقيت حاسس بكسوف فظيع منها، ومن نفسي كمان. أنا مش فاهم إزاي هي عملت كده، مع إننا مش فقراء قوي، آه ظروفنا على قدنا، بس عمرنا ما كنا بنمد إيدينا على حاجة مش بتاعتنا.

المشكلة الأكبر إن الجيران كلهم عرفوا، والناس بقيت تعايرني أنا وأخويا الصغير، يقولوا علينا "ولاد الحرامية"، وكل يوم ينادونى "يا ابن الحرامية" وأوقات بيقلدوها ويضحكوا علينا، وأخويا بقى يعيط من أقل كلمة. أنا بحاول أهدّيه، بس أنا كمان تعبان، ومش عارف أخرج من الحالة دي، ولا أتصرف إزاي مع الناس، ولا مع أمي نفسها.

أنا مش عايز أكرهها، بس جوايا غضب وزعل كبير، ومش قادر ألاقي تفسير ولا مبرر. أعمل إيه؟ أتصرف إزاي؟ وليه إحنا بندفع التمن وهي اللي غلطت؟

الإجابة 09/04/2025

يا بنيّ العزيز..

 

وصلتني رسالتك الموجعة، وشعرت في كلماتك بنبض قلبٍ كسير، وعقلٍ مرتبك، ونفسٍ تائهة بين الحب والخذلان، بين ما تربيّت عليه من قيم، وما رأيته من سلوك لم تستطع تفسيره.

 

دعني أولًا أقول لك: إن مشاعرك صحية وسليمة، وهي ما يُعرف في علم النفس بـ"التنافر المعرفي" Cognitive Dissonance))، أي شعور الإنسان بالضيق حين تتعارض قيمه الداخلية مع ما يراه من سلوك فيمن يحب.

 

أنت لا تعاني من خلل، بل تعاني من نُبلٍ داخلي، ومن ضميرٍ يقظ، وقلبٍ حساس.

 

أولًا: بالنسبة لمشاعرك تجاه والدتك:

 

إن الأم تظلّ أُمًّا، حتى إن وقعت في الزلل. ومن أهم ما يجب أن نُدركه في التربية النفسية، أن الإنسان، أيّ إنسان، ليس فعله فقط، بل هو تراكم من النوايا، والظروف، والتجارب، والضغوط.

 

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون"؛ فالخطأ البشري وارد، لكن المهم هو ما بعده: هل ندمت؟ هل تابت؟ هل سعت لتقويم نفسها؟

 

لعل والدتك في لحظة ضعف أو ضغط نفسي، وقعت في فعلٍ لم تكن لترتكبه لو كانت في وعيها الكامل، وقد يكون ذلك ناتجًا عما يسمى في علم النفس بـ Impulsive Behavior، أي "الاندفاع غير المحسوب"، خاصة في ظل مشكلات مالية أو ضغوط اجتماعية.

 

ثانيًا: وصمة العار وكلام الناس اللذان يخزيانك:

 

ما ذكرته عن معايرة الناس لك ولأخيك هو من أقسى أنواع التنمر الاجتماعي، ويُعرَف في علم النفس باسم (نظرية الوصم)، حيث يُحمَّل الإنسان صفة لمجرد ارتباطه بشخص آخر، رغم أنه لا ذنب له.

 

وهذا سلوك مرفوض شرعًا وأخلاقًا. فقد قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بحسب امرئ من الشر أن يُحَقِّر أخاه المسلم".

 

أنت لست ابن خطأ، بل أنت ابن مرحلة صعبة، وقد اجتزتها بوعيٍ وشجاعة، وما يقوله الناس لا يعكس حقيقتك، بل يعكس ضعف وعيهم التربوي.

 

وأرى أنه إن كان بإمكانكم ترك مسكنكم والانتقال إلى مدينة أخرى للعيش بها، بعيدًا عمن يعيرونكم، فسيكون ذلك أفضل لكم إن شاء الله تعالى.

 

ثالثًا: كيف تنظر إلى والدتك؟!

 

من المهم أن تُفصل بين الشخص والسلوك، وهي قاعدة ذهبية في علم التربية الأخلاقية.

أمك أخطأت، لكنها ليست الشر ذاته، ورفضك لسلوكها لا يعني كراهيتك لها.

 

بل إن الله عز وجل أمر ببرّ الوالدين حتى لو كانا على غير دينك، فما بالك بمن أخطأت وهي ما زالت مسلمة مؤمنة، قد تكون بكت ليلًا دون أن تراها، أو ندمت ورفعت يديها إلى الله مستغفرة؟ قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.

 

جرب أن تحدثها بهدوء، وتقول لها: "يا أمي، أنا متألم، ولكني أحبك، وأتمنى أن أراك دائمًا في أعين الناس وأعيننا بشموخك المعروف."

 

هذا الحديث قد يكون (Therapeutic Communication) حديثًا أو تواصلاً علاجيًّا يُخرج ما في قلبك، ويفتح لها باب التوبة والتصحيح.

 

رابعًا: كيف تحمي نفسك وأخاك؟

 

دورك الآن ليس فقط أن تتعافى، بل أن تكون قويًّا مرنًا في مواجهة نظرات الناس وكلامهم.

حاول أن تُعلّم أخاك الصغير أن الخطأ لا يعيّب العائلة بأكملها، وأنه يجب ألا يحمل على عاتقه ما لم يرتكبه.

 

درّبه على ما يُعرف بـ Self-Affirmation أو "تعزيز الذات"، بأن يكرر عبارات، مثل:

 

"أنا بريء من خطأ غيري"

 

"أنا شخص صالح وأستحق الاحترام"

 

"ما يظنه الناس لا يعكس حقيقتي"

 

خامسًا: تهمني جدًّا نظرتك لنفسك ومستقبلك

 

اعلم أن الشدائد تصنع العظماء، وأن هذا الابتلاء هو جزء من رحلتك نحو النضج النفسي.. فلا تلتفت للماضي وامض في طريقك نحو النجاح والإيمان بالله تعالى والثبات على طاعته، والدعاء المستمر بصلاح أحوالكم.

 

* همسة أخيرة لك يا بني من القلب:

 

قال أحد الحكماء: "ندوبك التي ترويها تصبح منارات لغيرك ممن يسيرون نحو نفس الصخور."

 

فاصنع من هذه التجربة حافزًا لتكون إنسانًا أعظم، أكثر رحمة، وأكثر نضجًا، وأشد صلابة أمام الابتلاءات القادمة.

 

أسأل الله العظيم أن يمسح على قلبك، ويجبر كسر نفسك، ويهدي أمك، ويجعل من هذا الابتلاء بابًا للرفعة، لا بابًا للانكسار، واذكر دائمًا قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.

الرابط المختصر :