Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 92
  • رقم الاستشارة : 1594
12/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أكتب إليكِ وأنا فى حيرة لا يعلمها إلا الله.

عندى ابن وحيد، عمره 21 عامًا، ما زال طالبًا فى كلية الهندسة.

منذ عام تقريبًا، أخبرنى بأنه يُحب زميلة له فى الكلية، ويريد خطبتها. فى البداية ظننتها مجرد مشاعر مراهقة ستزول، لكننى فوجئت بأنه جاد جدًّا، ويُصِرّ على الارتباط بها رسميًّا.

حاولت التفاهم معه، وقلت له إنك لا تزال طالبًا، ولا تملك دخلاً ثابتًا، ولا تستطيع فتح بيت،

لكنه يرى أن الخطبة مجرد وعد بالزواج وأنه يمكنه الاستعداد بعد التخرج.

المشكلة يا دكتورة أن البنت من أسرة بسيطة، وليس لديها أى مانع، بل يبدو أنهم موافقون ومتحمسون له.

وأنا كأم أخشى أن يستنزف كل طاقته العاطفية والفكرية فى هذا الارتباط، ويهمل دراسته ومستقبله. كما أننى أشعر أن هذه العلاقة تُبعده عنى شيئًا فشيئًا، وقد أصبح عنيدًا للغاية فى هذا الأمر.

صرت لا أنام من التفكير، وأخاف عليه من أن يُعطى من قلبه أكثر مما يحتمل، ثم ينهار إذا لم تكتمل الأمور.

أرشديني، كيف أتصرف معه؟ هل أرفض بشدة؟ هل أتركه يقرر مصيره؟ وكيف أضمن ألا يُضيّع مستقبله بسبب قرار عاطفى؟

جزاكِ الله عني كل خير.

الإجابة 12/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أيتها الأم الطيبة الصابرة،

 

أحييكِ أولًا على لجوئكِ إلى الحوار والتوجيه التربوي، فهذا دليل على وعي ناضج وأمومة حانية تخشى على ولدها لا من الحب، بل من ضياع التوازن والمسار.

 

إن ما يمر به ابنك هو مرحلة تُعرف بـ"مرحلة التكوين الهوياتي العاطفي"، وهي مرحلة شائعة في أواخر المراهقة وبدايات الشباب، حيث يسعى الفرد لتحديد من هو وماذا يريد، ويخلط غالبًا بين العاطفة والتخطيط الواقعي.

 

ارتباطه العاطفي ليس خطأ؛ فالميل للجنس الآخر فطرة، والله تعالى لم يُحرّم الحب، وإنما وضع له ضوابط، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح".

 

لكنّ هذا الميل يصبح مقلقًا إذا تغلّب على العقل وأعمى البصيرة، وجعل الشاب يختصر الحياة كلها في هذه التجربة فقط، فيضع كل طاقته في سلة واحدة، قبل أن يكون مؤهَّلًا نفسيًّا وماديًّا لبناء أسرة.

 

وأنتِ على حق في تخوّفك من أن يتحول هذا الارتباط إلى "استنزاف عاطفي"، أو "ارتباط قلق" (Anxious Attachment)، خاصة إذا شعر أنه لا يستطيع التراجع عنه مستقبلًا دون أن ينهار نفسيًّا. في مثل حالته، ننصح بما يُعرف بـ"التأجيل المُخطط" (Planned Postponement)، أي أن نُقر بحقه في الحب والاختيار، ولكن نطلب منه تأجيل التنفيذ حتى يكتمل نضجه واستقراره.

 

يمكنكِ الحديث معه بلغة هادئة ناضجة قريبة، وقولي له مثلًا: "يا حبيبي، لا أحد يمنعك من أن تحب أو أن تختار شريكة لحياتك، لكن الخطبة ليست مجرد وردة تُعطى، بل عهد ومسؤولية تحتاج إلى أرضٍ صلبة. أخشى أن تندفع الآن ثم تظلم نفسك وتظلم الفتاة. دع مشاعرك تنمو، لكن لا تستعجل الزرع قبل أن تُعدّ له التربة".

 

استعيني معه بالحكم والأمثال التي تُحبها نفسه، مثل قول الحسن البصري: "علمتُ أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمئن قلبي"، فأكدي له أن هذه الفتاة إن كتبها الله تعالى له فلن تكون لغيره، فعليه أن يطمئن ويسعى إليها في الحلال.

 

ثم قولي له: "ابنِي، الزواج ليس فقط شعورًا، بل هو قرار، يحتاج إلى عقلٍ راجح، وقلبٍ صابر، ويدٍ قادرة".

 

انصحيه بأن يتق الله في علاقته بهذه الفتاة، وأن يضع حدودًا لهذه العلاقة حتى لا يقعا فيما لا يرضي الله تعالى، وأكدي له على ضرورة أن يحافظ على الفتاة مثل أخته، إلى أن تنفذ مشيئة الله.

 

ثم حاولي إشراك شخصية مؤثرة في حياته – كأستاذ يحترمه أو صديق ناضج – ليكون صوته الثاني من دون أن يشعر أنه محاصر برأيك وحدك.

 

وأخيرًا، تذكري أن أمورنا كلها بيد الله تعالى، وهو وحده أعلم بالخير، فقد تكون زيجته من هذه الفتاة هي الخير لكم جميعًا، فلا تعافري كي تفشل، بل ادعي الله عز وجل بالخير، ثم اتركي الأمور كلها له جل شأنه، ويفعل ما يشاء..

 

أختي الحبيبة، أرجو أن توثقي علاقتكِ بابنك الوحيد، ولا تُظهِرى له أنكِ ضده أو ضد حبيبته، بل أكّدي له أنكِ معه، وتريدين له زواجًا سعيدًا يليق به ويُرضي الله عنه.

 

أسأل الله أن يُلهمكِ الحكمة، ويشرح صدر ابنك لما فيه الخير، ويجعله من البارّين الواعين، الذين يجمعون بين القلب والعقل، والنية والعمل.

 

* همسة أخيرة لقلب أختي:

 

تذكري قول الإمام الشافعي:

 

إِذا هَبَّتْ رِياحُكَ فَاغْتَنِمْها ** فَإِنَّ لِكُلِّ خافِقَةٍ سُكونُ

 

فاصبري واغتنمي هذه الريح الطيبة من الحوار قبل أن تسكن الأمور وتغلق الأبواب.

 

والله معكِ، ومع كل أمٍّ تنحت في صخرة الحب من أجل مصلحة ولدها.

الرابط المختصر :