الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
8 - رقم الاستشارة : 1860
06/05/2025
أنا متجوزة بقالي ٣ شهور، ولسه جديدة في شغلي، اتعينت بعد تخرجي بسنة، والحمد لله ربنا كرمني بوظيفة كويسة في شركة محترمة. بابا حالته الصحية على قده، وداخل في ديون كتير علشان جوازي، لأنه صرف كتير وقتها وكان حاطط كل اللي معاه علشان يفرح بيا، وبصراحة اتدين فوق طاقته. مؤخرًا طلب مني أساعده كل شهر بجزء من المرتب علشان يسد ديونه ويصرف على علاجه.
أنا من ناحيتي حاسة إني عايزة أرده جزء من الجميل، خصوصًا إنه اتبهدل علشاني ومقصرش فيا أبدًا. بس جوزي رافض تمامًا، وبيقول إنه مش مسؤول عن بيت أهلي، وإنه أولى بالفلوس دي، خصوصًا إننا بنبدأ حياتنا ولسه ورا احتياجات كتير. أنا محتارة جدًا، حاسة إني بين نارين، وقلبي وجعني على أبويا، وفي نفس الوقت مش عايزة أخرب بيتي أو أعمل مشكلة مع جوزي، ومش عارفة أتصرف إزاي!
ابنتي الكريمة،
أقدّر عمق الحيرة التي تنهش قلبك بين برّك بأبيكِ، ووفائك لزوجكِ، في موقف إنساني دقيق يحمل كثيرًا من المشاعر المتضاربة والتحديات الواقعية، فبين "الإحسان" و"الاستقلال"، تقفين على مفترق طرق، فدعيني أرافقكِ قليلًا لنضيء الطريق بنور الحكمة والعلم والدين.
أولًا: عليك أن تدركي أن ما تمرين به يُعرف في علم النفس الأسري بـ "Family Role Conflict"، أي صراع الأدوار الأسرية، وهو من أكثر الصراعات شيوعًا لدى الزوجات حديثات العهد بالزواج، خاصة حين يكنّ بنات بارّات ومُحبّات لأسرهنّ الأصلية.
وما تشعرين به من ضغط نفسي وقلق داخلي بسبب التنافر بين ما تؤمنين به عاطفيًّا وما تُجبرين عليه واقعيًّا، هو أمر طبيعي في مثل حالتك.
ثانيًا: أنتِ أمام موقف تتجاذبكِ فيه فضيلتان:
١- برّ الوالدين، وقد قال الله تعالى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا}.
٢- وطاعة الزوج، وقد قال النبي ﷺ: "لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها".
لكن، الشريعة الغراء -يا ابنتي- جعلت لكل ذي حقٍّ حقه، ووضعت ميزان العدل لا الحرج على كاهلكِ. فبرّكِ بوالدكِ واجب، لكنه لا يكون بإرهاق بيتكِ أو مخالفة زوجكِ أو التسبب في التوتر الأسري. وفي الوقت نفسه، طاعة زوجكِ لا تعني التخلي عن والدكِ وهو في عُسر، بل تعني التفاهم والحكمة في إدارة الأمور.
* ولذلك هنا أنصحكِ باتباع الخطوات التالية، بمنهج نفسي تربوي حكيم:
1- الحوار العاطفي العاقل مع الزوج..
- اختاري وقتًا مناسبًا، وتحدثي معه بهدوء، شاركيه مشاعركِ دون لوم أو ضغط، وركّزي على أن مساعدتكِ لوالدكِ هي من باب الوفاء الإنساني لا العبء المالي.
- استخدمي معه أسلوب الرسائل الإيجابية من خلال مضمون الحديث، مثل: "أنا بحسّ بتأنيب الضمير لما ألاقي بابا مريض ومش قادر يشتري علاجه، وقلبي بيبقى وجعني إني مش قادرة أساعد حتى بالقليل."
2- اقترحي مع زوجك حلولاً وسطية ..
مثلا، اطلبي منه أن يخصص معكِ مبلغًا بسيطًا شهريًّا لمساعدة والدكِ، على ألا يؤثر على نفقات بيتكما، واطلبي رأيه في كيفية فعل ذلك. هذا يعزز شعوره بأنه شريك في القرار لا ضحية له.
3- مع وعيك بالاستقلال المالي النسبي..
فمن حقكِ شرعًا الاحتفاظ بجزء من راتبكِ، وقد كفل الإسلام للمرأة ذمة مالية خاصة. ويمكنكِ الاتفاق معه أن يكون لكِ جزء خاص تتصرفين فيه كما ترين، وتشملين به والدكِ وأي مسؤوليات خارج إطار البيت.
4- استخدمي استراتيجية "Compassionate Budgeting"، أي الميزانية الرحيمة للإنفاق، فربما لا يحتاج والدكِ مبلغًا كبيرًا، بل دعمًا بسيطًا يُغنيه عن السؤال، ويمكنكِ مشاركته بدواء، أو قسط دين، أو حتى سداد بعض فواتير العلاج.
لا تنسي –حبيبتي- الدعاء، فإنه باب الرزق والتيسير، وخصوصًا دعاء الاستخارة، فقد يكون في قلب زوجكِ خير كثير إن استشعر حجم مسؤوليتكِ الأخلاقية تجاه والدكِ.
* همسة إلى زوجكِ وكل زوج مثله، ربما أضاءت له قلبه إن قرأها بقلب عاقل:
حين تختار زوجتك أن تكون وفيّة لأبيها الذي ربّاها وسهر لراحتها، فاعلم أنها إنسانة أصيلة، فإن كانت كذلك مع والدها، فاعلم أنها ستكون أصدق وأوفى معك في الحياة.. فمن لم يكن لها خير في أهلها، فلن يكون لها خير في زوجها.
* همسة أخيرة لك ابنتي الغالية:
كوني متوازنة بين العقل والعاطفة، بين البرّ والطاعة، فـ"الوسطية" هي المنهج القرآني، و"النية الصادقة" هي سرّ البركة.
أسأل الله أن يجبر خاطركِ، ويشرح صدر زوجكِ، ويرزق والدكِ العافية والرزق الحلال.