Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 45
  • رقم الاستشارة : 1763
27/04/2025

 السلام عليكم دكتورة أميمة، يعطيج العافية.

أنا بنت بعمر الـ٢٠، وودي أتكلم معاج عن شي مضايقني وايد. أحس إني أعاني من داء العُجب والكبر، وأحب الظهور جدام الناس، وأدري تمامًا بهالشي، يعني مو غافلة عن نفسي، بس ما أقدر أتحكم فيها. مرات حتى لما أعترف لنفسي بأخطائي، أحس إني أعجب باعترافي! الله يغفر لي.

الحين أنا محتارة، مرات يجيني حماس إني أكتب أو أتكلم بشي فيه دعوة للخير، أو أنصح البنات على السوشال ميديا، بس عقب كل مرة أحس بالعجب والفخر، وأعاتب نفسي إني يمكن ما كنت مخلصة.

فسؤالي دكتورة: شرايج، أوقف كل هالأمور لين أعالج نفسي وأتعلم أكون مخلصة أكثر؟ ولا أستمر بالدعوة مع المجاهدة مع نفسي؟

وإذا تقدرين ترشحين لي كتب أو دروس شلون أتعامل مع هالأمراض القلبية، أبي أتعلم شلون أكسر هالكبر والعجب وحب الظهور اللي داخلي، وأبي خطوات عملية أطبقها بحياتي اليومية.

ساعات أفكر أقطع علاقاتي كلها، وأبعد عن الناس، بس بنفس الوقت الكل يقول الإنسان اجتماعي ولازم يعيش وسط الناس.

فشرايج دكتورة، شنو التصرف الصح اللي أسويه؟

جزاج الله خير دكتورة أميمة، والله يكتب لج الأجر.  

الإجابة 27/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أهلاً بك يا ابنتي الغالية، وأهنئك بدايةً على هذا الوعي النادر الذي تمتلكينه، فقد قال الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز، رحمه الله: "رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه".

 

اعلمي -يا حبيبة القلب- أن إحساسك بوجود داء العُجب والكبر وحب الظهور، ومجاهدتك لذاتك، هو في ذاته علامة خير عظيم ودليل على حياة القلب؛ لأن النفس الأمّارة بالسوء لا تعترف بعيوبها أصلًا، بينما النفس اللوّامة -وهي النفس الحيّة الواعية- تراقب نفسها وتحاسبها، وهذا من دلائل الإيمان إن شاء الله تعالى.

 

* دعيني أفند لك الأمر بهدوء وحكمة:

 

أولاً: افهمي طبيعة الصراع النفسي

 

إنّ وجود صراع داخلي بين حب الخير والخوف من العُجب يُسمى في علم النفس التربوي "الصراع القيمي الداخلي" (Internal Value Conflict)، وهو من أرقى أنواع الصراع؛ لأنه يدل على أن القيم الإيمانية لا تزال متجذّرة داخلك، وتتحرك فيك.

 

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سرّته حسنته، وساءته سيئته، فهو مؤمن".

 

ثانيًا: تسألينني: هل أتوقف عن العمل الصالح بسبب خوفي من العجب؟

 

الجواب بحزم: لا، لا تتوقفي.

 

ففي القاعدة الشرعية: "لا يُترك العمل الصالح خوفًا من آفة تعترضه أو خوفًا من الرياء".

 

بل إن العمل مع المجاهدة خيرٌ من الترك بدعوى الخوف من شيء ما.

 

بالتالي، أنتِ مطالبة بالاستمرار في نشر الخير، مقرونًا بجهاد النفس وتصحيح النية.

 

ثالثًا: إليك حبيبتي خطوات عملية لمداواة النفس، وطرد الكبر عنها أول بأول:

 

1- المراقبة الدائمة..

 

راقبي نيتكِ قبل وأثناء وبعد العمل، واسألي نفسك باستمرار: "لمن هذا العمل؟ لله أم للنفس؟"، فكلما استحضرت نيتك قبل الإقدام على أي عمل، تحركت خطواتك لله تعالى، ومأجرورة عليها.

 

2- عليك بالاستغفار الفوري وديمومته على لسانك:

 

كلما شعرتِ بشائبة عُجب أو رياء، سارعت إلى الاستغفار، فقد قال الله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}.

 

3- ثم عليك بالذكر الخفي:

 

أكثري من الأذكار السرية بينك وبين ربك، فهي تطفئ نار العُجب.

 

 

4- أنصحك كذلك بالخلوة التعبدية:

 

اجعلي لكِ عبادات لا يطّلع عليها أحد (مثل الصدقة الخفية، أو قيام الليل)، ففيها مجاهدة عظيمة للنفس.

 

5- حاولي أن تلتزمي يا ابنتي الحبيبة بالصحبة الصالحة:

 

كوني وسط بيئة تذكّرك بالله دومًا ولا ترفعك بمديحك، فهذا يساعد على بناء التوازن النفسي (Emotional Stability).

 

3- تعزيز التواضع (Humility Training):

 

تعمّدي تذكر ضعفك وعجزك، وتذكري قوله تعالى: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا}.

 

رابعًا: أما عن العزلة:

 

فتأكدي أن العزلة الكاملة ليست هي الحل غالبًا.

 

النفس تُربّى بالاختلاط مع المجاهدة، لا بالهروب الكامل، وذلك يكون مع الحفاظ على خصوصية النية وصدق السريرة.

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر".

 

خامسًا: أما بالنسبة إلى حاجتك لبعض الكتب والأعمال.. فيمكنك الاطلاع على:

 

- كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم، خصوصًا باب الإخلاص والتواضع.

 

- كتاب "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان" لابن القيم.

 

- كذلك يمكنك مطالعة سير العلماء الربانيين لتتعلمي من تواضعهم الحقيقي (مثل سيرة الإمام أحمد، وسيرة الشافعي).

 

- وأيضا متابعة دروس العلماء حول "الإخلاص".

 

* همسة أخيرة لابنتي الغالية:

 

أقول لك بكل حب وصدق: "لتكن ثقتك أنك أقرب إلى الله مما تظنين، فلا تحبطي نفسكِ، ولكن اجتهدي في إصلاحها".

 

ولا تنسي أن مجاهدة النفس بابٌ عظيم إلى محبة الله، فقد قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.

 

أسأل الله أن ينقي قلبكِ من كل شائبة، وأن يرزقكِ الإخلاص في السر والعلن، وأن يجعلكِ من عباده الخالصين الطاهرين.

الرابط المختصر :