22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. يحيى عثمان
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 244
  • رقم الاستشارة : 544
03/09/2023

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا سيدة، ولله الحمد ملتزمة، متزوجة من رجل فاضل محافظ على صلاته بالمسجد، وهبنا الله ابنة هي الآن بالمرحلة الثانوية بإحدى المدارس الأجنبية (المختلطة طبعاً)، وولداً في المرحلة الابتدائية، والآخر ما زال صغيراً، ابنتنا سبب أرقنا، بدأت مأساتنا مع مرحلة المراهقة منذ حوالي سنتين، عندما علمت مصادفة أنها قد كُلّفت شرعاً، سارعت بشراء العديد من الأحجبة وأمرتها بأن تصلي وتتحجب، ولكنها سوّفت وماطلت. وقبل أن تبدأ مرحلة المراهقة، كنت ألاحظ أنها عندما تخرج مع زميلاتها تبالغ في وضع «المكياج»، خاصة أن بعض زميلاتها من الأجنبيات، حتى إنها كانت تضع اللمسات الخفيفة من «المكياج» وهي ذاهبة إلى المدرسة، وجو المدرسة بصفة عامة لا يهتم بذلك، بل إن الأنشطة التي تقيمها المدرسة كانت كرنفالات تستعرض فيها البنات لبسهن، لا أنكر أنني كنت سعيدة بطفلتي الجميلة وهي تجاري زميلاتها وتبدو أجملهن. كانت تعتز بجمالها، وكنت ألاحظ عدم تحرجها وهي تتحرك بملابسها الداخلية خارج حجرتها، أو تغيّر ملابسها أمام أخويها الصغيرين، وكنت لا أهتم لأنها مازالت صغيرة ولم تُكلّف بعد، ولكني كنت أنهرها عن ذلك بعد بلوغها ولكنها للأسف لا تبالي. كثيراً ما كان والدها يعترض على زِيّها، وكنت أبادره أمامها أنها ما زالت طفلة، دعها تتمتع بطفولتها، حتى حفظت البنت الحوار، ولم تعد تعبأ باعتراض والدها لدفاعي عنها، ولكن بعد تكليفها شرعاً، أصبحتُ حازمة معها، وبعد إصراري ارتدت الحجاب، ولكنها كانت تُظهر من شعرها أكثر مما يخفيه الحجاب، وقلت: إنها البداية على أن تلتزم تدريجياً ومنعتها من المكياج، ظللنا طوال العامين الماضيين في نزاع شبه يومي. لكن الصدمة حدثت مؤخراً عندما خرجت في عطلة الأسبوع مع زميلاتها، وارتدت الحجاب الشرعي بعد محاولات مضنية على مدى سنتين، ونزلت أنا أحد «المولات»، وكانت صدمتي: من هذه؟ إنها تشبه لحد كبير ابنتي! نعم إنها هي وسط رفيقاتها، وهالني تسريحة شعرها والمكياج على وجهها. أخذتها من يدها وهرعت بها إلى السيارة، ولا أدري كيف انطلقت إلى البيت، وانهلت عليها توبيخاً، وظللت طول الطريق أفكر كيف أعاقبها؛ بما يشفي غيظي منها، ولكن والدها كان قد عاد من عمله، خشيت أن أخبره لأنه كعادته سيلومني بأنني السبب! ويقول لي: تصرفي مع ابنتك، واجني ثمار أخطائك، ويحول الموضوع إلى مشكلة بيننا، وينسى مشكلة البنت! تذكرت مجلتكم الموقرة، ودعوت الله أن أجد لديكم الحل لمشكلة ابنتي.

الإجابة 03/09/2023

التحليل:

سلوك الأولاد هو تعبير عن منظومة القيم الراسخة في وجدانهم، منظومة القيم لدى الأولاد هي ثمرة المنهجية التربوية التي نشؤوا عليها، يجتهد على صياغتها الوالدان من ثقافتنا الإسلامية، وفي القلب منها القرآن الكريم والسُّنة المطهرة، وكذلك الأساليب العصرية التي تتناولها العلوم والفنون التربوية، وفرض عين على كل والدين أن يبذلا كل وجل الجهد لصياغة المنهجية التربوية التي تتناسب مع كل ولد، بل وتطويرها بما يتناسب وتطوراته الإدراكية.

المشكلة تعكس قصور الوالدين، وأحمّل الأب المسؤولية بصفته الولي والقيّم على الأسرة، وكان عليه أن يتدخل، لتعديل الانحراف التربوي للأم، ثم حتى بعد أن أثمرت تربية الأم عن هذا الخلل الخطير، فليس الموقف لإلقاء اللوم وأن تتحمل الأم نتيجة خطئها، وننسى قصورنا التربوي وتشتعل خلافاتنا الزوجية، والتي من أعراضها سوء تربية الأولاد، وأتعجب من تعديل الضمائر؛ فإذا ما أحسن الولد «فهو ولدي»، وإذا ما أساء «فهو ولدك»!

أنا لا أستحسن إطلاق لفظ مراهق على من بلغ أو أدرك، فهو من الناحية الشرعية بلغ حد التكليف، وأصبح مدركاً لحدود الحلال والحرام فيما يعرف من الدين بالضرورة، وتعبير «بالغ» يعطي ثقة بالنفس، بعكس لفظ مراهق وما يوحيه من اضطراب، لقد ساعدت «الميديا» على ترسيخ معانٍ سلبية كثيرة حول ما يطلقون عليها فترة المراهقة.

التربية منظومة من المواقف التربوية التي يجب أن تشمل كل مناحي الحياة وتتكامل فيما بينها، مؤثرة في السلوك الكلي للأولاد؛ بمعنى أن تربية الولد على تنظيف حجرته يجب أن تظهر آثارها على سلوكه النظيف في مدرسته وفي الشارع، وإلا فنحن نهذب سلوك تنظيف الغرفة ولا نقنع بتبني الأولاد لقيمة النظافة، عندما تنصب التربية على السلوك فنحن محتاجون إلى أن نتابع كل سلوكياتهم المتعلقة بالنظافة في المدرسة والشارع.

كما أن التربية عملية تراكمية؛ فسلوك ولدي الآن هو محصلة كل المواقف التربوية (إيجابياتها وسلبياتها) منذ أن كان رضيعاً، كما أنها تؤدي دور مهماً وحيوياً في سلوكياته المستقبلية سواء أكان زوجاً أم والداً، فالصورة الذهنية للحياة الزوجية للوالدين تشكل الجزء الأكبر من سلوك الولد عندما يصبح زوجاً، كما أنه يستنسخ مع أولاده كثيراً من المنهجية التربوية التي تربى عليها.

الحياء فطرة إنسانية، ولكنه أكثر قيمة لدى الأنثى، وأشد ما يكون لدى الفتاة، والبيئة التربوية إما تنمّيه وتعظم قيمته من المنظور الديني، أو أعوذ بالله تقلل من قيمته أو تطمسه، وسورة «النور» توضح المنهج التربوي الإسلامي في تعويد الأطفال على الاستئذان، فمهما كان الطفل صغيراً يجب ألا تغيّر والدته ملابسها أمامه، لأنها النموذج الذي يحاكيه، كما أن كل الصور التي يراها تُخزن لديه، ومع نمو إدراكاته يبدأ في استعادتها وتفسير معنى ما رآه، فعندما تأمره أمه بالخروج لأنها تريد تغيير ملابسها، فإنها ترسخ لديه معنى الحياء والخصوصية والتستر.

كما أن عليها أن تتركه بمفرده يغيّر ملابسه وينظف نفسه بمجرد ما يستطيع ذلك، يجب في مرحلة الصبا والتمييز وقبل البلوغ أن يُعلم الأولاد الحكم الشرعي في ستر العورة، وقيمة الحياء، حتى إذا بلغ يكون قد تعود على السلوك الإسلامي ولديه القناعات بالالتزام، ونجني ثمرة جهودنا منذ أن كان طفلاً برجل صالح سوي.

أما وأن تترك أختنا ابنتها تلبس ما لا يليق، وتتحرك في البيت بالملابس الداخلية دون حياء، وتتزين وتجاري زميلاتها في المدرسة الأجنبية، وتنتظر حتى تعلم مصادفة أنها كُلّفت شرعاً! فتأمرها بالحجاب، فهذا خطأ تربوي فادح جنت به على فلذة كبدها.

أي فجوة نفسية بين الأم وابنتها أن تعرف مصادفة أنها قد بلغت!

إن العقاب إحدى الأدوات التربوية، ويجب ألا يكون تنفيساً عن الغضب الذي يعتري قلب الوالدين، وحتى يكون العقاب تربوياً يجب أن يقتنع الولد بالآثار السلبية للخطأ، وقيمة ما سيجنيه من الصواب، وأن يشارك الولد في منهجية عقابه، والذي يجب أن يكون تدريجياً، كما يجب ألا نوقع العقاب ونحن منفعلون حتى لا يتحول العقاب من أسلوب تربوي إلى تنفيس للغضب، يجب أن نشعر الولد بأننا نتألم بعقابه لأننا نحبه ومن أجل حبنا له نريده أن يكون صالحاً.

يجب أن نعرف صحبة أولادنا، ونعلمهم كيف يختارون أصدقاءهم، «المرء على دين خليله..»، «مثل الجليس الصالح كبائع المسك..» (الحديث)، وكما يقال: «الصاحب ساحب»، وتزداد قيمة ذلك في المدارس الأجنبية التي تتعمد إدارتها من خلال جودة مناهجها غرس وتعميق ثقافتها.

الحل:

يجب المشاركة الكاملة مع زوجك والاعتراف بأخطائكما تجاه ابنتكما واستغفار الله؛ «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول» (الحديث).

أقترح رحلة عمرة تكون محضناً تربوياً وسط التأثير الروحي للمسجد الحرام والمسجد النبوي، والسلام على الحبيب صلى الله عليه وسلم، والتغذية الروحية التي يعيشها المسلم في هذه الرحاب الطاهرة، وكذا التغذية الوجدانية من خلال المصاحبة الدائمة لابنتكما، ومدارسة آيات وأحاديث الاحتشام وما تظهره المسلمة وقيمة الحياء والمراقبة والمحاسبة الذاتية.

يجب البعد عن أسلوب التلقين والأمر، بل يجب الحرص على توليد الدوافع الدينية، وأن الذي له الحق في الأمر والنهي هو الله، وأنه قد أمر الوالدين بذلك؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم: 6)، ويتم ذلك من خلال بيان قيمة حبنا لله المنعم علينا بنعمه التي لا تحصى ونذكّرها بقبس منها، فيجب علينا شكره؛ (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7)، والامتثال لأمره، والحرص على توليد القناعات الوجدانية بأننا نحبك ونتمنى لك الفوز برضا الله، فيوفقك في دنياك وينعم عليك بالجنة، ويمنّ علينا برضوانه لأننا أحسنا تربيتك.

عليك أن تصاحبي ابنتك وتجذبيها إليك، وتكوني ليس مجرد صديقة لها بل الأقرب إليها، ترتمي في حضنك وتحكي وتستشيرك في كل أمورها دون خوف أو خجل، فتكوني عوضاً عن صحبة السوء، بل وتساعديها بأسلوب غير مباشر على اختيار الرفقة الطيبة، فمن خلال لقاءات المدرسة لأسر الطلبة تعرّفي على أمهات البنات الملتزمات وأنشئي أنت علاقات بهن، وكذلك على مستوى الأقارب والجيران.

يجب الحرص على برنامج للتربية والثقافة الدينية بالمنزل، والاشتراك بإحدى الجمعيات الدعوية والتفاعل مع أنشطتها ومسابقاتها.

الارتقاء بقيمة الصورة الذهنية للذات من خلال إهدائها كتباً في موضوعات تحبها، وبعض قنوات «اليوتيوب» المفيدة.