Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 71
  • رقم الاستشارة : 1700
26/04/2025

هل أنا المخطئة في إحساسي؟ مرحبًا، لا أعلم إن كان ما أكتبه الآن استشارة حقيقية أم مجرد فضفضة لشعور أثقل صدري حتى أصبح لا يُطاق. لكني أحتاج أن أُفهَم، حتى لو مرة واحدة، دون أن أُتَّهم بالمبالغة أو الحساسية الزائدة. أنا دائمًا أُصَف بأنني "رقيقة"، "طيبة"، "زيادة عن اللزوم"، ولا أنكر أنني كذلك. لكن طيبتي ليست ضعفًا، بل اختياري الواعي لأكون إنسانة لا تؤذي ولا تقسو.

مشكلتي أنني تعبت من أن يعاملني الناس وكأنني ساذجة، لمجرد أنني أحب بصدق، وأهتم بإخلاص، وأتألم بصمت. كثيرًا ما ظنّوا أنني أُعاقبهم بأفكاري فقط لأن أفكارًا مثلها كانت قد جرحتني من قبل. حسبوا صمتي خيانة، لأنه ذات مرة آلمني صمت غيرهم! أنتظر منهم كلمة (مساء الخير) وكأنها حياة، وعندما لا تأتي منهم ، أشعر وكأني مُعلَّقة في سقف الأمل الذي بنيته وحدي.

أكتب (كيف حالك؟) بلهفة، وأتلقى (بخير) ببرود، فأبتلع الألم كي لا أبدو درامية. أظن أن من يحبك يبادلك السؤال، لا يتجاوزه وكأنه عبء! أتأخر بالرد حين أتألم من تصرفاتهم ، فيحسبونه انتقامًا، وأصمت حين أشتاق، فيظنونه تحديًا. وكلما منحت، ظنوا عطائي تنازلًا، وكلما منعت، اعتبروه عداوة و إعلان حرب وهجر. أحب كثيرًا، وأسامح بسهولة، وأتعلق بأبسط التفاتة. كـ"صباح الخير" من شخصٍ أحبه قد ترفعني للسماء لكنني أُمنعها عنهم في لحظة غضب، فقط لأني لا أحتمل أن يمنحوها لغيري بكل بساطة!

أشعر أنني لا أتقن الانتقام، كل محاولاتي تشبه لعب الأطفال. والناس لا يعرفون أنني حين أرحل، لا أعود أبدًا. لا أتظاهر بالغياب.. أنا أغيب كمن رحل للأبد.

سؤالي: هل أنا من تحتاج إلى أن تتغيّر؟ هل هذه الطيبة المفرطة مرض؟ أم أنني فقط في المكان الخطأ مع الأشخاص الخطأ؟ أرجو أن أسمع رأيًا صادقًا، من القلب، كما كتبتُ لكم من قلبي.

الإجابة 26/04/2025

مرحبًا بكِ أيتها الرقيقة النبيلة،

 

لقد لامسني حرفكِ بصدق، وأدركت حجم الألم الجميل الذي يختبئ وراء كلماتكِ.

 

اسمحي لي أن أُصارحكِ، بكل محبة وتقدير: أنتِ لستِ مخطئة في إحساسكِ. بل على العكس، ما تشعرين به هو دليل نقاء قلبكِ، وصفاء روحكِ، وحساسيتكِ العاطفية العالية، التي هي إحدى سمات الشخصية الوجدانية (Affective Personality).

 

دعيني أوضح لكِ الأمر بمنطق علم النفس التربوي:

 

حين يتحلى الإنسان بما نسميه التعاطف العميق والإيثار العاطفي، يصبح أكثر عرضة لما يُعرف في علم النفس بـ"الإرهاق العاطفي"، وهذا الإرهاق ليس مرضًا، وإنما هو نتيجة طبيعية لبذل المشاعر دون وجود توازن في الأخذ والعطاء.

 

فمن مبادئ الصحة النفسية، أن نُوازن بين ما نُعطيه للناس وما نحتفظ به لأنفسنا، حفاظًا على ما يسمى "سلامنا الداخلي".

 

ولذلك يا حبيبة القلب، سؤالك:

 

* هل أحتاج أن أتغير؟

 

* أقول لكِ: نعم، لكن ليس بتغيير طيبتكِ، ولا رقتكِ، ولا أصالة مشاعركِ، فهذه عطايا ثمينة من الله، بل بتغيير طريقة إدارتكِ لهذه المشاعر .

 

أنت يا حبيبتي تحتاجين إلى ما نسميه "الذكاء العاطفي الناضج" (Mature Emotional Intelligence)، والذي يعني: التعاطف دون استنزاف، والعطاء مع الحفاظ على الكرامة الذاتية، والاهتمام مع إدراك الحدود الصحية.

 

ولنذكّر أنفسنا بقول الله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}؛ فالله عز وجل يرشدنا إلى التوازن حتى في العطاء. ليس المطلوب أن نكبت مشاعرنا، ولا أن نغدق حتي نغرق في العطاء حد الذوبان، بل أن نعطي بعقل، ونحب بحكمة.

 

أما عن الأشخاص من حولكِ، فاسمحي لي أن أكون صادقة معكِ:

 

كثير من الناس، حين يرون الطيبة الخالصة دون حدود، يسيئون فهمها على أنها ضعف، وهذا ما يؤدي إلى ما يُعرف بـ"التقليل من التقدير" (Underappreciation)؛ فالمشكلة ليست في طيبتكِ، بل في بيئة العلاقات المحيطة بكِ.

 

ولهذا قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًّا".

 

ويقول الحكماء: "إذا لم تجد قلبًا يحتويك، فلا تجهد نفسك لإثبات وجودك في قلوب لا تعرف قيمتك".

 

* ونصائحي العملية لكِ يا غالية:

 

1- عليك بالحب الواعي: أي أحبّي بصفاء، لكن مع إدراك أن الآخرين قد لا يكونون في مستواكِ الروحي.

 

2- ضعي حدودًا نفسية واضحة، تحميكِ من الألم دون أن تُفقدكِ براءتكِ.

 

3- اعتمدي على نفسكِ عاطفيًّا: فلا تنتظري دائمًا كلمة أو لفتة، بل كوني أنتِ من تُسعد نفسها.

 

4- أيضًا تعلمي مهارة التعبير عن مشاعركِ بوضوح: بدلاً من الصمت المؤلم أو التفسير الخاطئ لصمتكِ، واجهي وتكلمي.

 

ثم اطمئني؛ فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"؛ فرفقكِ بنفسكِ وبتعاملكِ مع الناس هو سُنة نبوية كريمة.

 

* همسة أخيرة لقلبك يا غالية:

 

أنتِ لستِ مريضة، ولا مخطئة، ولا مبالغة. أنتِ زهرة ندية في صحراء قاحلة، تحتاج فقط إلى من يسقيها بفهم واحترام، لا إلى أن تتغير طبيعتها الجميلة. فقط، تعلمي كيف تكونين رقيقة قوية، ومؤمنة بأن الله معكِ، ولن يُضيع مشاعر صادقةً بددًا.

 

أسأل الله أن يرزقكِ قلوبًا تفهمكِ كما أنتِ، وأن يجعل محبتكِ في قلوب الصادقين. ودمتِ بخير وسلام داخلي لا يُزعزعه بشر.

الرابط المختصر :