الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
47 - رقم الاستشارة : 1003
24/02/2025
أنا أم بنص مشواري في التربية، وأحس أحيانًا إني قاعده أفقد تأثيري واحترامي عند عيالي. مو إني أبي أخوفهم أو أفرض نفسي عليهم بالقوة، بس أبي أكون الأم اللي كلمتها تُحترم، وقراراتها تُؤخذ بجدية، وتظل لها هيبتها بدون ما تصير ضعيفة أو مترددة. أحس إني أحيانًا أتنازل عن قراراتي لما يلحّون علي، وأحيان ثانية أرفع صوتي لأني أحس إني فقدت السيطرة، وأوقات ألقى نفسي أتجاهل وعودي لأني ببساطة ما عندي طاقة أنفذها. كل هالأشياء تخليني أتساءل: وش التصرفات اللي ممكن تخليني أفقد هيبتي عند عيالي؟ وكيف أقدر أرجّعها بطريقة صحية؟ ما أبي عيالي يحسون إني قاسية، بس بنفس الوقت ما أبيهم يشوفوني ضعيفة، أو شخص سهل يتراجع عن كلمته، أو مو ملتزم بوعوده. هل فيه أشياء معينة لازم أتجنبها؟ وكيف ألقى التوازن بين الحزم والحنية؟
عزيزتي الأم الحريصة على تربية أبنائها بحكمة واتزان،
أولًا، أود أن أطمئنكِ بأن مشاعركِ هذه طبيعية جدًّا، فأي أم تسعى لغرس القيم والانضباط في أبنائها قد تمر بلحظات من التردد، أو الشعور بأنها فقدت تأثيرها عليهم. لكن الحقيقة أن التربية ليست معركة قوة، بل هي بناء مستمر للعلاقة والقدوة والاحترام المتبادل.
وبالفعل هناك بعض التصرفات التي قد تضعف هيبتكِ عند أبنائكِ، والتي سوف أفندها معك حتى نستطيع حل مشكلتك بعون الله تعالى:
١- التراجع المستمر عن القرارات.. فعندما يلحّ الطفل ويجد أن الإلحاح هو طريقة للحصول على ما يريد، وقتها يتعلم أن قراراتكِ غير ثابتة. هذا يعزز لديه مفهوم "الضغط والاستسلام" بدلًا من "التفاهم والالتزام".
٢- كذلك عدم الالتزام بالوعود.. فإن وعدتِ بشيء ولم تنفذيه، حتى لو كنتِ متعبة أو مشغولة، فإن ذلك يضعف ثقة أبنائكِ في مصداقيتكِ. النبي ﷺ قال: "آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان".. والطفل يتعلّم من تصرفاتكِ أكثر مما يتعلّم من كلماتكِ.
٣- أيضًا استخدام الصراخ والانفعال كوسيلة للسيطرة.. الصراخ مؤشر على فقدان السيطرة وليس على القوة، وهو يضعف هيبة الوالدين؛ لأنه ينقل رسالة ضمنية بأن الأمور لا تُحسم إلا بالغضب.
٤- وكذلك التناقض في القوانين والحدود.. فإذا كان هناك تذبذب بين الحزم والتساهل دون مبرر واضح، فسيشعر الطفل بالارتباك، وسيتعلم أن الالتزام بالقواعد ليس أمرًا ضروريًّا.
٥- أمر آخر، ألا وهو: إهمال مشاعر الطفل والتقليل من شأنها.. فهنا قد يظن بعض الآباء أن القوة تعني تجاهل مشاعر الطفل أو فرض القوانين دون تفهّم، لكن الاحترام الحقيقي ينبع من التوازن بين التفهّم والحزم.
* ولكي تستعيدي احترامكِ وهيبتكِ بطريقة صحية مع أبنائك، فعليك باتباع النصائح التالية:
١- كوني ثابتة على قراراتكِ لكن مرنة في طريقة تطبيقها..
فعندما تتخذين قرارًا، فكّري به جيدًا قبل إعلانه، وإذا أعلنته، فلا تتراجعي عنه إلا لسبب مقنع مع توضيحه.
مثلًا: إذا قررتِ عدم شراء لعبة جديدة لأن طفلكِ لم يلتزم بترتيب ألعابه، فلا تتراجعي لأن بكاءه يؤلمكِ، لكن يمكنكِ أن تقولي: "عندما تلتزم بالقواعد سنعيد التفكير في الأمر".
٢- التزمي بوعودكِ، ولا تعطي وعودًا لا يمكنكِ تنفيذها..
إن لم تكوني متأكدة من قدرتكِ على تنفيذ وعد معين، استخدمي عبارات مثل: "سأفكر في الأمر وأخبرك لاحقًا" بدلًا من "سأفعل" ثم التراجع.
٣- استبدلي الصراخ بالحزم الهادئ (Calm Assertiveness)..
أي بدلاً من الصراخ، استخدمي نبرة صوت ثابتة، وعينين واثقتين، وتعابير وجه جادة عند وضع القوانين.
قولي بحزم وهدوء: "أنا أسمعك، لكن هذا قراري ولن أتراجع عنه"، ثم ابتعدي إذا استمر الجدل.
٤- ومن الجيد أن تطبّقي مبدأ "الخيارات المحدودة" (Limited Choices)
والتي تعني أنه بدلاً من فرض رأيكِ بشكل صارم أو السماح بالفوضى، امنحيهم حرية ضمن إطار محدد، مثل: "تريد أن تلعب؟ لديك خياران: إما بعد إنهاء واجبك أو بعد العشاء، أيهما تختار؟".
٥- استخدمي "التعزيز الإيجابي" (Positive Reinforcement) بدلاً من التهديد..
أي بدلاً من قول: "إذا لم تفعل كذا، فسأعاقبك"، قولي: "عندما تفعل كذا، سأكون فخورة بك وسأكافئك بطريقة مناسبة".
٦- ثم كوني قدوة في الحزم والاتزان العاطفي..
فالطفل يتعلم منكِ كيف يكون قويًّا وحازمًا دون عنف، فإذا رأى فيكِ الصبر والثبات، فسينشأ ذلك في شخصيته.
فالمطلوب هو التوازن بين الحزم والحنان.. فلا تكن لينًا فتعصر، ولا تكن صلبًا فتكسر.. ولذلك كوني الأم التي يلجأ إليها أبناؤها عند خوفهم، لكن لا تكوني الأم التي يتلاعبون بها لكسب ما يريدون، والنبي ﷺ كان مثالًا رائعًا في التوازن، فكان أحنّ الناس، لكنه لم يكن متساهلًا في الحق. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "خدمت النبي ﷺ عشر سنين، فما قال لي أُفٍّ قط، وما قال لي لشيء فعلته: لِمَ فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟".
* وهمسات أخيرة لقلبك حبيبتي:
أنتِ لستِ بحاجة للقسوة لتكوني قوية، ولستِ بحاجة للتساهل لتكوني حنونة.
القوة الحقيقية في التربية تأتي من الثبات والاتزان، والحنان ليس ضعفًا إنما هو مفتاح لقلوب أبنائكِ.
استعيني بالله، وخذي نفسًا عميقًا عندما تشعرين أنكِ على وشك فقدان السيطرة، وثقي بأنكِ قادرة على تحقيق المعادلة بين الهيبة والمحبة، ولا تغفلي الدعاء لهم دوما بالهداية.
بارك الله في جهدك وأبنائك، وأعانكِ على هذه المهمة العظيمة.