الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
23 - رقم الاستشارة : 1048
27/02/2025
المدرسه عطتني أنا و كل فصول صف عاشر ورقة تحدد إذا تبي تدخل أدبي ولا علمي.. وأنا محتار خصوصا أني أساسا بالادبي والعلمي مو زين أبدا، فما هو رأيكم؟
ابني العزيز..
أحييك أولًا على حرصك على اتخاذ القرار الصحيح بشأن مستقبلك الدراسي، وهذا إن دل فإنه يدل على وعيك ومسؤوليتك.
وأتفهم تمامًا حيرتك في هذه المرحلة، فاختيار المسار الدراسي قرار مصيري يحتاج إلى تفكير عميق وتوازن بين الميول الشخصية والقدرات الفعلية واحتياجات سوق العمل.
يقول سقراط: "اعرف نفسك بنفسك"، وهذه هي الخطوة الأولى والأهم. يجب أن تجلس مع ذاتك وتسأل نفسك بصدق:
ما المواد التي أشعر بشغف تجاهها وأستمتع بدراستها؟
ما المواد التي أجد نفسي متميزًا فيها دون جهد شاق؟
ما المواد التي أجد صعوبة كبيرة في فهمها حتى مع المذاكرة المكثفة؟
ما طبيعة المهن التي أتخيل نفسي فيها سعيدًا وناجحًا في المستقبل؟
- ثم يهمني جدًّا أن تنتبه وتحذر من أن تقع في خطأ اختيار مسارك فقط لأن غيرك اختاره! فهناك ما يُعرف بـ "ضغط الأقران" أو Peer Pressure، حيث يتأثر الطالب باختيارات زملائه وأقربائه، لكن هذا ليس معيارًا سليمًا؛ لأن لكل فرد طريقه الخاص. يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
وما أنتَ إلا فِكرةٌ بَعدَ خاطِرٍ ** تَهيمُ بِهَا روحُ الحَياةِ وتَسري
أي أن ما تفكر به وتقرره بنفسك هو ما سيحدد مستقبلك، وليس ما يقرره الآخرون لك.
والأمر الأهم هو أن عليك أن تفهم وتعي جيدًا الفرق بين "الميول" و"القدرات"؛ فعلى كل طالب أن يميز بين الميول الدراسية (Academic Interests) والقدرات الفعلية (Academic Abilities)..
فقد تميل نفسك للأدب والشعر والتاريخ، لكنك قد تكون قادرًا أيضًا على الإبداع في العلوم والتكنولوجيا إذا طوّرت مهاراتك. لذلك، لا تتخذ قرارك بناءً على مشاعرك فقط، بل على تقييم موضوعي محايد لقدراتك.
وبما أنك ذكرت أن المواد العلمية صعبة عليك جدًّا، فهذا يعني أن التخصص العلمي قد لا يكون هو الأنسب لك؛ لأن النجاح فيه يحتاج إلى قدرات تحليلية وتجريدية عالية. أما إذا كنت متميزًا في الأدبي، فهذا يعني أنك أقرب إلى المهارات اللغوية والتعبيرية والإبداعية، وهي مهارات لا تقل أهمية أبدًا عن المهارات العلمية.
بعد ذلك سيكون من الضروري والجيد أن تفكر في مستقبل الكلية التي سوف تدرس بها بناء على اختيارك للشعبة العلمية أو الأدبية، وهذا سيكون بناء على احتياجات سوق العمل في بلدك وخارجها؛ لأن التخصص الجامعي سيحدد إلى حد كبير فرصك المهنية لاحقًا.
في بعض الدول، التخصصات العلمية مثل الهندسة والطب والتكنولوجيا مطلوبة بشدة، لكنها تحتاج إلى مهارات وقدرات خاصة كما ذكرنا، أما التخصصات الأدبية مثل الإعلام، القانون، الترجمة، والعلاقات الدولية فهي أيضًا مطلوبة، ولكنها تحتاج إلى إبداع وتميز حتى تبرز وتحقق النجاح.
وكما يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
بقدرِ الكدِّ تُكتسبُ المعالي ** ومَن طلب العلا سهرَ الليالي
بمعنى أن النجاح ليس في المجال بحد ذاته، بل في مدى اجتهادك وإبداعك فيه.
وأخيرًا، وكما لجأت للمشورة من متخصص، فأوصيك أيضًا باستخارة الله عز وجل وقبل كل شيء، فما خاب من استخار وما ندم من استشار.. فلا تنسَ أن تلجأ إلى الله بصلاة الاستخارة، فهي باب نور وطمأنينة، وسنة نبوية كريمة أرشدنا إليها رسولنا ﷺ. ثم استشر كذلك والديك ومعلميك، فالرأي الصادق ممن هم قريبون منك ويعرفونك جيدًا قد يساعدك في رؤية الأمور من زاوية أخرى بشكل أوضح..
وبعد الأخذ بكل هذه الأسباب، فلا بد أن تكون على يقين بأن الله عز وجل قد اختار لك الأفضل، فاستمتع وابتهج وأنت تقوم بدراسة واستذكار كل شيء مقرر عليك في منهجك، سواء في المرحلة الثانوية أو الكلية التي سيختارها لك ربك إن شاء الله تعالى.
* همسة أخيرة لابني الغالي:
بعد أمر الله وتوفيقه، فإن القرار لك، ولكن…
إذا كنت ترى أن قدراتك لا تتناسب مع العلمي، فمن الأفضل أن تبقى في الأدبي؛ لأنه سيكون مجالًا تستطيع التميز فيه.
لا تحاول أن تُجبر نفسك على شيء لا يناسبك فقط لأن البعض يقولون إن العلمي هو الأفضل، فالأفضل هو ما يناسبك أنت.
يقول المتنبي:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرُومِ ** فلا تقنعْ بما دون النّجومِ
بمعنى: لا تختَرْ إلا ما تستطيع أن تتألق فيه وتصل إلى أعلى مستوياته.
وفقك الله وسدد خطاك، وألهمك القرار الصائب الذي يحقق لك النجاح والسعادة.