الإستشارة - المستشار : د. يحيى عثمان
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
240 - رقم الاستشارة : 517
06/08/2023
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تحية تقدير لمجلتكم الموقرة.. أكتب إليكم وأنا في أصعب موقف لم يكن لي أن أتخيله، نحن أسرة عربية مهاجرة إلى كندا من سنتين تقريباً، أنا طبيبة وكذلك زوجي، لدينا ابنة عمرها 13 عاماً، وولدان (6 و10 سنوات)، يدرسون في المدارس العامة، ولله الحمد نحن أسرة متدينة وحريصون على تربية أولادنا تربية إسلامية. عادة ما نعود من عملنا السادسة مساءً، وطبيعة تخصصي تقتضي أن أداوم ليلاً يومين أسبوعياً، يعود الأولاد من مدارسهم بصحبة أختهم الكبرى، التي تتولى غذاءهم وأمورهم، ورغم أنني أعود منهكة من العمل فإنني أحرص على الاطمئنان على الأولاد قبل ذهابهم إلى فراشهم في الثامنة، إلا البنت التي عادة ما تسهر حتى ساعة متأخرة من الليل. يوم السبت يحضر أولادنا يوماً بالمدرسة الإسلامية لدراسة العربي والدين، وعادة يوم الأحد نخرج مع الأسر الصديقة، وكثيراً ما أتحدث مع ابنتي. ابنتنا متفوقة بامتياز دراسياً، وتحفظ حوالي 3 أجزاء من القرآن، تمارس هواية الرسم بإتقان، دائمة الانفراد بذاتها في حجرتها حتى ساعة متأخرة من الليل متعللة بالدراسة، علاقتها بوالدها تكاد تكون سطحية، وإذا ما طرحت أي تساؤل فعادة ما يكون رد والدها: «لا يخصك! انتبهي لدراستك فقط»، علاقتي بها جيدة، عندما أعود من عملي مساء عادة ما تكون في حجرتها -وهذا مكانها الدائم- وأدخل عليها وأطمئن عليها، كما أنه في يوم الأحد عندما نخرج جميعاً نتحدث معاً. الأسبوع الماضي استيقظت ليلاً لأرق ألمَّ بي، وعند مروري بجانب حجرتها سمعتها تتحدث، فدخلت عليها الغرفة وهي تتظاهر بالدراسة، وسألتها مع من تتحدث فأنكرت! فخطفت منها الموبايل، وسط ذهولها، وتركتها وقد أغلقت نور غرفتها لتنام. تفحصت الموبايل وكم كانت صدمتي! حديث جنسي وكلمات فاحشة مع ولد رغم أن اسم الحساب أنثى! انكفأت على نفسي في ذهول أبكي حتى الفجر وأردد: لماذا؟ حتى استيقظ زوجي لصلاة الفجر، وأعطيته الموبايل فثار، وأيقظها على السباب والتهديد والوعيد، وبعد عودتها جلست معها، وكم دهشت مما سمعت! هو زميل لها بالفصل، من أصل أوروبي (يعني غير مسلم)، تحبه، وتستنكر لماذا يحق للمسلم أن يتزوج غير المسلمة، ولا يحق ذلك للمسلمة، الدين قرار شخصي، وكذلك الارتباط بالجنس الآخر، ولم أستطع الاستمرار في سماعها، فنهرتها وأمرتها أن تهتم بدراستها وأغلقت الحديث معها، ومن أسبوع ونحن نعتزلها، وقد أرسلت إليكم للاستشارة، عسى أن أجد لديكم الحل، ماذا نفعل؟
التحليل:
رغم أن المشكلة تتعلق بالتربية في بلاد المهجر، فإنه مع انتشار استخدام الهواتف حتى مع الأطفال في سن العاشرة أو دون ذلك، ومع ضعف الرقابة الحكومية أو انعدامها لعدم جدواها لتعدد وسائل تخطي الحواجز الإلكترونية، ناهيك عن كثرة المدارس الأجنبية بكل ثقافتها المدمرة لقيمنا، لذا فهناك العديد من المشتركات في هذه المشكلة والبيئة العربية.
وفي الاستشارة التي بين أيدينا تضافرت عدة عوامل سلبية، مثل طبيعة عمل الوالدين وانشغالهما، وضعف علاقتهما مع البنت، خاصة مع ضعف المحضن والمتابعة التربويين في بلاد المهجر، والأخطر رد فعل الوالدين الذي عمق الفجوة بينهما وبين الفتاة.
كل ذلك أدى إلى فراغ نفسي، وفقدان النموذج التربوي الذي تتأسى به، مع عدم رسوخ المسلَّمات الإسلامية؛ لذا فإن الفتاة المجني عليها تعيش حياة سطحية مرتدية الشكل الذي يجنبها المشكلات مع والديها، وسراً تمارس حياتها طبقاً للنموذج الغربي، الذي يلبي احتياجاتها الفطرية في سن المراهقة.
مقترحات العلاج:
– التغذية الوجدانية:
وهي تأتي قبل التربية الدينية؛ لأن بدونها تتحول التربية الدينية إلى تلقين أجوف خال من المعاني؛ لأن إرواء الأولاد بالحب هو الذي يساعد ويهيئ قنوات التلقي على التفاعل الجيد للقيم الدينية؛ فلا ترسخ فقط في عقولهم بل في وجدانهم، فيحبون الالتزام بها وتطبع في سلوكهم، فيتكون ما يعرف بالقناعة السلوكية التي تعكس قناعتهم العقلية بالقيم الدينية وتطابقها.
إن تعبير الوالدين عن حبهما لأولادهما يشعرهم بالأمان النفسي، وأن الأسرة هي المحضن الذي يجد فيه ضالته؛ فالارتواء من الوالدين وجدانياً يجعل الأولاد بمنأى عن أي ابتزاز عاطفي، أما إذا كانوا في عوز وجداني وقصّر الوالدان في التربية الوجدانية فإن العاطفة للجنس الآخر تتأجج ويصبحون فريسة لأي كلمة أو حتى شعور للتبادل العاطفي، هذا بصفة عامة والفتيات بصفة خاصة.
إن الإشباع الوجداني يتأتى من المصاحبة والألفة العائلية مع تخصيص وقت خاص لكل ولد على حدة للانفراد مع الأب، ثم وقت آخر مع الأم حتى نساعد الأولاد على الانفتاح النفسي والحديث معنا عما يجول بخواطرهم، فالاستماع جيداً لهم دون استهزاء أو نهر أو كبت؛ لأنه إن لم يستمع الوالدان فسيستمع غيرهما؛ فالولد لن يصبر على أي تساؤل عنّ عليه؛ فالحاج «جوجل»! (Google.com) متاح وبه إجابات قد تكون مدمرة، أو يلجأ لسؤال الأصدقاء؛ لذا فمن المهم مساعدة الأولاد على طرح ومناقشة كل ما لديهم، بل ونطرح نحن موضوعات قد يخجلون منها؛ لتتوطد العلاقة الوجدانية من خلال التعبير عن حبنا بأرق الألفاظ والتقدير والإشادة والهدايا، والبعد عن التأنيب والتهديد والصراخ.
- التربية الروحية:
رغم قيمة وأهمية حفظ ما تيسر من القرآن الكريم، فإن هناك –للأسف- فهماً خاطئاً لأولويات بناء الشخصية المسلمة الملتزمة؛ فرسوخ العقيدة السليمة، والقناعة والتسليم بالأوامر الإلهية، وفهم الآيات والأحاديث والعمل بمقاصدها، تأتي قبل حفظ القرآن الكريم؛ فالاعتزاز بالهوية الإسلامية -الذي يقف حائلاً دون الذوبان في مجتمع المهجر- لن يتأتى إلا بالتعرف على سماتها وخصائصها وشرف الانتماء إليها، وذلك يولد الدوافع نحو حفظ القرآن الكريم.
ونقترح للعلاج ما يأتي:
البنت: مجنيٌّ عليها، وخطؤها نتيجة طبيعية لخطيئة الوالدين، وهي تعاني من:
- إحساس بالغربة نتيجة العوز الوجداني.
- مفاهيم مغلوطة عن مسلَّمات إسلامية.
- ارتباط عاطفي أشعل غريزتها.
الأم: واضح أن الفتاة تعاني من عوز وجداني، وأن انشغال الأم حتى السادسة، وأن الدقائق التي تطمئن فيها على ابنتها بعد عودتها لا تمثل أي نوع من أنواع التواصل، بالإضافة إلى الدوام الليلي في بعض الأيام، رغم قيمة وأهمية تواصل الأسر المسلمة بالمهجر خاصة للأولاد ما يساعدهم على بناء صداقات مع أقرانهم، فإن هذا لا يغني بأي حال عن اللقاءات الخاصة مع الأولاد؛ لذا يجب على الأم أن تستقيل وتتفرغ لوظيفتها الأساسية وهي الأمومة، إن كان دخل الزوج يغطي الحد الأدنى لمتطلبات الحياة -وأؤكد الحد الأدنى- وإلا فتعمل عملاً جزئياً يمكّنها من القيام بواجباتها وأداء الأمانة التي كلفها بها الله تعالى.
الأب: من خلال علاقة البنت مع والدها والولد مع أمه يتعرف الأولاد على الجنس الآخر، وكلما تميزت هذه العلاقة بالخصوصية أدى ذلك إلى بناء الثقة ونقل الخبرات الحياتية المتعلقة والإجابة عن كل التساؤلات المتعلقة بالجنس الآخر؛ فعلى سبيل المثال، يمكن للوالد أن يحكي بأسلوب قصصي لابنته عما كان يدور من حوارات بين أقرانه في سن المراهقة، وكيف كان تفكيرهم، وكذلك الأم مع ابنها، فهذا النوع من العلاقات لا يُشبع فقط الاحتياجات الوجدانية للأولاد، بل يغطي مساحة معرفية مهمة جداً خاصة في سن المراهقة؛ لذا يجب على الوالد إعادة بناء علاقته مع ابنته بل مع كل أولاده.
البرنامج:
- على الوالدين الاستغفار والتوبة من ذنوب ضياع أمانة تربية الأولاد.
- دعوة البنت إلى لقاء خاص، يعتذران لها عن تقصيرهما، وبيان الخطأ الشرعي لتصرفها، وفتح باب الاعتذار أمامها، ويفتحان لها الباب للنقاش والاتفاق معاً على برنامج للأسرة.
- التزود المعرفي حول التربية، وتخصيص وقت لمراجعة وتقييم سلوكيات الأولاد وطلب المشورة من المتخصصين في المشكلات التربوية بالغربة.
- نقل الأولاد إلى مدرسة إسلامية.
يجب التزود المعرفي حول التربية وتخصيص وقت لتقييم سلوكيات الأولاد وطلب المشورة من المتخصصين
- الاشتراك في برامج المراكز الإسلامية.
- برنامج دراسة عائلية دينية -لما لا يسع المسلم جهله- متنوع بين دورات «اليوتيوب» والقراءة والمناقشة ومسابقات إسلامية، والمهم البعد عن أسلوب التلقين، بل توليد الدوافع نحو التزود المعرفي وتطبيق مقاصد الشريعة (مثلاً: حكم زواج المسلم بالكتابية وعدم زواج المسلمة بغير المسلم، لماذا التفريق؟ مع التركيز على البرامج الموجهة لمسلمي المهجر؛ بحيث يتم لقاء أسبوعي على الأقل مع متابعة يومية للمهام).
- مصاحبة ومشاركة الفتاة في كل الأنشطة، حتى الدراسة كلما أمكن ذلك.
- لقاء أسبوعي مفتوح مع الوالد والوالدة كل على انفراد، خلال التريّض، أو التنزه.
- مشاركة البنت في بعص الموضوعات التي تهم الأسرة.
- طرح الموضوعات العامة للمناقشة: الهوية الإسلامية في الغربة، سلوك الفتاة المسلمة، مستقبل الجاليات المسلمة.. دون وضع حلول أو إجابات مسبقة، بل دعونا نبحث ونفكر، نقرأ ونستمع.