23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 283
  • رقم الاستشارة : 754
21/01/2025

السلام عليكم دكتورة.. أنا أب لـ٣ بنات أكبرهن في الصف الثاني الثانوي، توفيت زوجتي وهن صغار، ربيتهن على الأخلاق والالتزام ولم أفكر في الزواج وتفرغت لعملي وتربية بناتي.. لي جارة عزباء، منذ سنوات قريبة انتقلت للعيش في الحي الذي نقطن فيه بالقرب من منزلنا، وقد أصبحت قريبة من بناتي الملتزمات جدًّا منذ انتقالها إلى الحي.. هذه المرأة، برغم مظهرها الوديع، بدأت تُظهر اهتماماً زائداً ببناتي المراهقات، وتقضي معهن أوقاتاً طويلة، خاصة بعد وفاة والدتهن وانشغالي الدائم بعملي. وجدت في البداية أن قربها منهن قد يخفف عنهن الشعور بالوحدة، لكنها أثارت قلقي بعدما سمعت من بعض سكان الحي أنها ذات سمعة سيئة وتتردد على أماكن مشبوهة. ثم بدأت ألاحظ تغيرات طفيفة في سلوك بناتي، مثل تقليدها في بعض العبارات أو الاهتمام بأشياء لم تكن معتادة عليهن، مما جعلني أربط بين هذه المرأة وتأثيرها عليهن. تملّكني الخوف من أن تفسد أخلاقهن أو تنقل لهن عاداتها السيئة، خاصة أنني لاحظت تعلّقهن العاطفي بها وكأنها بديل عن والدتهن الراحلة. ومع ذلك، أشعر بالحيرة في كيفية التصرف بحكمة دون أن أجرح مشاعر بناتي أو أسبب لهن نفوراً أو صدمة.. انصحيني.

الإجابة 21/01/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

أولا: أخي الكريم.. رحم الله زوجتك وأعانك على تربية بناتك، وأتم الله عليك رسالتك معهن على النحو الذي يرضيه عز وجل...

ثانيًا: أول ما يجب عليك فعله هو سد الفجوة العاطفية التي تركتها وفاة والدتهن وانشغالك الدائم.. فإن حاجتهن للعطف والاحتواء دفعهن للارتباط بهذه الجارة؛ لذا من الضروري أن تزيد من حضورك العاطفي والوجداني في حياتهن، عبر الحديث المفتوح، والأنشطة المشتركة، وإظهار الحب والاهتمام.

ويفضل أن يكون توجيهك للبنات بشكل غير مباشر، فبدلاً من انتقاد الجارة أمامهن أو قطع العلاقة فجأة، أن تستخدام الحوار الإيجابي الذي يعزز لديهن مفهوم الصواب والخطأ (يمكن أن يكون ذلك من خلال سرد قصص أو مواقف تظهر أهمية اختيار الصحبة الصالحة).

* وهناك خطوات عملية يحبذ أن تتبعها مع كريماتك:

1- تعزيز الوعي الديني والأخلاقي: من المهم تنمية القيم الدينية لديهن بطريقة غير مباشرة.. فيمكن تشجيعهن على حضور مجالس العلم أو قراءة قصص الصحابيات أو تعلم القرآن الكريم؛ ما يعزز لديهن معايير أخلاقية قوية.

2- إيجاد بدائل إيجابية: كإدخال شخصيات نسائية إيجابية في حياتهن كالأقارب أو الجيران الصالحين أو حتى مدربات أو معلمات يتمتعن بأخلاق حسنة.

▪ أما عن الجارة نفسها:

- فمن الأفضل عدم المواجهة المباشرة لها منك أو من خلال وسيط يخصك أو توجيه اتهامات مباشرة لها، فقد تُظهر وقتها شخصية انتقامية ربما تسببت في إيذاء بناتك لا قدر الله، بل يستحب محاولة تقليل التواصل تدريجيًّا بأسلوب حكيم وغير جارح.

- يستحسن أن تعمل بسياسة استبدال الدور: إذ يمكنك أن تلجأ إلى إحدى القريبات أو الصديقات الصالحات ليصبحن قدوة لبناتك؛ ما يقلل تلقائيًّا من اعتمادهن العاطفي على هذه الجارة.

- لا بد من سعيك لاختيار الصحبة الصالحة لهن، فلقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". هذا الحديث يؤكد أهمية الصحبة وتأثيرها على الأخلاق والسلوك.

- كذلك يجب أن تتجنب الفتنة وتحذر من مواطن الشبهات، وترسخ تلك المعاني بداخل بناتك مع التأكيد عليها باستمرار.. حيث قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا.... وهذا أمر إلهي بحماية الأهل من كل ما يمكن أن يفسدهم دينيًّا وأخلاقيًّا.

- كما يتوجب عليك أخي أن توازن في التربية واتبع الحكمة القائلة: "لا تكن صلبًا فتُكسر ولا تكن هينًا فتُعصر".

وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"؛ فأنت كأب هنا راعٍ ومسؤول عن تربية بناتك وحمايتهن، لكن عليك أن تكون رحيمًا وحكيمًا في أداء هذا الدور.

- ومن المهم مصادقة ابنتك الكبرى وإشراكها في تربية أخواتها معك وتحميلها المسؤولية، فإن عولت عليها هذا الأمر فستشعر وقتها بنوع من المسؤولية في الحفاظ على نفسها وأخواتها، فعزز عندها هذا الشعور.

- وإن استطعت أن تنقل سكنكم إلى مكان أفضل من سكنكم الحالي ويكون بعيدًا عن هذه الجارة، فليتك تفعل ذلك.

▪ وأخيرًا، همسة إلى أخي الكريم:

التعامل مع مثل هذه المواقف يتطلب توازنًا بين الحزم واللين؛ فالحزم ضروري لقطع كل ما يمكن أن يضر بالبنات، واللين مهم لاحتوائهن وإشعارهن بالأمان العاطفي.

التربية الواعية تتطلب التركيز على غرس القيم الإيجابية دون فرضها بالقوة أو التسلط، رغم أنها قد تحتاج إلى بعض الحزم في بعض الأحيان!

أسأل الله تعالى أن يبارك لك في كريماتك، وأن يحفظكم جميعًا من كل سوء.