22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 86
  • رقم الاستشارة : 958
12/02/2025

أكتب الآن وأنا في حيرةٍ شديدة، لا أعرف كيف أتصرف، وأخشى أن أرتكب خطأً يدفع ثمنه ابني ومستقبله. أنا رجل أُقدِّر القيم والأخلاق، وأؤمن بأن لكل مرحلة من العمر أولوياتها، وأرى أن ابني الأكبر، طالب في المرحلة الثانوية، قد وقع في تجربة حب لا تليق بعمره وظروفه. بدأت القصة منذ شهور، حين لاحظتُ تغيّر سلوكه، فقد أصبح شارد الذهن، كثير الشرود، قليل الحديث، وأحيانًا يتصرف وكأنه يعيش في عالمٍ آخر. كنت أظنه مجرد تغيرات طبيعية في هذه المرحلة العمرية، لكنني فوجئتُ ذات يوم بأنه يتحدث مع فتاة من قريتنا عبر الهاتف، واكتشفتُ أنه متعلق بها عاطفيًا بشكلٍ كبير. عندما واجهته، لم يُنكر، بل قال لي بصراحة: "أنا أحبها يا أبي، ولا أستطيع التوقف عن التفكير فيها." كانت هذه الكلمات كالصاعقة على مسامعي! كيف لطفلٍ بالأمس أن يتحدث عن الحب وكأنه رجل ناضج؟! كيف يمكنه أن يُدرك معنى المشاعر الحقيقية، وهو لم يخطُ بعد في طريق المسؤولية؟! ما زاد قلقي أن هذه الفتاة تقاربه في العمر، ومن نفس قريتنا، مما يعني أن أهلها قد يلاحظون الأمر، وقد يتحول الموضوع إلى مشكلة اجتماعية لا تُحمد عقباها. فأنا أعلم أن بعض العائلات قد تتعامل مع هذه الأمور بحساسية مفرطة، وقد يُفهم الأمر بطريقة خاطئة تؤدي إلى خلافات نحن في غنى عنها. حاولتُ أن أوضح له أن الحب في هذا العمر مجرد مشاعر غير مستقرة، وأن الإنسان يتأثر بعوامل كثيرة مثل الخيالات الرومانسية المبالغ فيها، لكنه رفض الاستماع لي، وظلّ مصرًا على أنه يحبها بصدق. أنا لستُ ضد الحب، فالحب شعور إنساني راقٍ، لكنه إن لم يكن في وقته الصحيح، وبطريقة صحيحة، فقد يُدمِّر صاحبه بدلًا من أن يسعده. أخشى أن يضيع مستقبل ابني، وأخشى أن تُستغل مشاعره في غير محلها، وأخشى أن تتحول هذه القصة إلى عبءٍ نفسي عليه، خصوصًا إن لم تكتمل كما يتخيل. أنا بحاجة إلى نصيحة واضحة، كيف أتعامل معه؟ هل أشدُّ عليه حتى يبتعد، أم أتركه ليخوض التجربة ويتعلم بنفسه؟ كيف أقنعه دون أن أخسره؟ أرجو أن تنصحيني بما يرضي الله ويحقق مصلحة ابني، فأنا قلقٌ للغاية.

الإجابة 12/02/2025

أخي الوالد الكريم،

 

صدقني، أُقدِّر قلقك وحرصك على مستقبل ابنك، ورسالتك تُظهر مدى حبك له، ومدى حرصك على توجيهه لما فيه الخير، وهذا في حد ذاته منهجٌ تربويٌّ صحيح، فالوعي بالمشكلة هو الخطوة الأولى لحلّها بإذن الله تعالى.

 

أولًا، علينا أن نُدرك أن مشاعر الحب في سن المراهقة ليست غريبة، بل هي جزءٌ من النمو العاطفي والنفسي الطبيعي للإنسان.

 

في هذه المرحلة، تحدث تغيّرات هرمونية وفكرية تجعل المراهقين أكثر حساسية للعواطف، وأكثر ميلاً لتكوين ارتباطات عاطفية قوية.

 

ومع ذلك، فإن هذه المشاعر غالبًا ما تكون اندفاعية (Impulsive) وغير ناضجة؛ لأن الدماغ في هذه المرحلة لم يكتمل نموه بعد، خصوصًا الجزء المسؤول عن اتخاذ القرارات طويلة الأمد (Prefrontal Cortex).

 

نأتي إلى كيف توجّه ابنك دون أن تخسره؟

 

1- عليك بالحوار وليس القمع.. فلا تحاول إجبار ابنك على نسيان مشاعره بالقوة؛ لأن القمع يولّد التمرّد (Psychological Reactance) بل تحدّث معه بهدوء، واشرح له أن الحب الحقيقي لا يُقاس بالشعور وحده، بل بالمواقف والاختبارات التي تثبت قوته بمرور الوقت.

 

2- مرن عقله على التفريق بين الحب والإعجاب عن طريق حوارك الهادئ، المطمئن، الحنون معه باستمرار..

 

ويمكنك أن تقول له: "أنا لا أُنكر مشاعرك، فأنا أيضًا كنتُ في مثل عمرك، وأعلم أن القلب يميل أحيانًا، لكن الحب ليس مجرد إحساس لحظي، بل هو التزام ومسؤولية. فهل أنت مستعدٌ الآن لتحمل مسؤولية ارتباطك بهذه الفتاة؟ وإلا فلا تعلقها وتسيء لسمعتها، فيجب أن تحافظ عليها حتى إذا اقترن اسمها باسمك يومًا ما، فتكون فخورًا بها وبأخلاقها وسمعتها".

 

3- اسأله: ماذا عن المستقبل؟

 

ذكّره بأن لكل مرحلة في الحياة أولوياتها، وأن الأهم الآن هو بناء نفسه وتعليمه، حتى يكون قادرًا على تحقيق أحلامه، ومن ثم التفكير في الحب والزواج عن وعيٍ ونضج.

 

4- حذِّره من أثر الحب غير الناضج..

 

ناقش معه تأثير التعلق العاطفي السلبي على دراسته ومستقبله، كأن تسأله: "ماذا لو لم تكتمل هذه العلاقة كما تتوقع؟ هل ستكون مستعدًا نفسيًّا لتقبل ذلك دون أن تتأثر حياتك ودراستك؟ أو ماذا لو تأثرت دراستك أو دراستها وفقدتما مستقبلكما ولم يكتب لكما الزواج؟! فربما تحول هذا التعلق إلى بغض بينكما لشعور كل منكما أنه السبب في تعطيل وإفشال الآخر".

 

5- ومهم جدًّا أن تُذكّره بقيم ديننا الحنيف، فقد قال رسول الله ﷺ: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء".

 

فالزواج مسؤولية، وليس مجرد مشاعر، والإسلام يُنظم العلاقات بما يحفظ للقلب طهارته، وللنفس سكينتها، وللشخص عفته.

 

وذكِّر ابنك أنه كلما اتقى الله في حرماته وفي بنات الناس، أعطاه الله من فضله، وجمعهما الله في حلاله الطيب، أو عوضه خيرًا منها، فمن ترك شيئا لله، أبدله الله خيرًا منه.

 

رسِّخ في ذهنه الفكرة المضادة للشطر الشعري: "وما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ"؛ لأن الحقيقة أن الحب الأول ليس بالضرورة هو الحب الأخير، بل هو أول تجربة قد يتعلم منها الإنسان، وحتما ستضيف إلى رصيده، إذا نجح في ألا تسيطر عليه وتقوده، دون أن يستطيع كبح جماح هواه فتوقعه فيما لا يحمد عقباه لا قدر الله.. فالعلاقات عموما إن لم تكن قائمة على أسس قوية وصلبة ويكون الشخص متمكنًا من إمكانياته، فقد تذروها الرياح مع الزمن.

 

كما أنه مع مرور الوقت والبعد عن الفتاة، قد ينساها وتنساه هي كذلك، وقد تتغير نظرته برمتها حين يقدم على مرحلة جديدة في جامعته إن شاء الله تعالى.

 

وهمسة أخيرة لأخي الأب الحائر القلق:

 

أيها الأب الكريم، تعامل مع الأمر بحكمةٍ ورحمة، فابنك لا يحتاج إلى العقاب، بل إلى التوجيه.

 

ذكّره بأن العاطفة الحقيقية هي التي تبني ولا تهدم، تُعين ولا تُضعف، وعلِّمه أن الحياة مليئة بالفُرص، وأن الأيام كفيلةٌ بأن تُعيد ترتيب المشاعر، وأن دوام الحال من المحال.

 

أما إن أراد الله لهما أن يجمعهما في الخير على حلاله، فقد يظل ابنك متعلقًا بها لمدة طويلة وهي أيضًا، فطمئنه أنك إن تأكدت من حسن سلوك الفتاة وأنها مناسبة له، مع وعد بأنك سوف تخطبها له إن أثبت نضجه بالاجتهاد في دراسته وتفوقه، ثم الالتحاق بعمل مناسب كوسائل محفزة لتحقيق هدفه، لكن عليه أن يتقي الله في الفتاة ويظل محافظًا على المسافة التى تضمن لهما احترامهما وصيانة سمعتهما وعفتهما، وقتها سيكون نضج بقدر مطمئن، وسيتحملان معًا نتاج اختيارهما لبعضهما، فلقد قال رسول الله ﷺ: "لا أرى للمتحابين خيرًا من النكاح".

 

وفي النهاية، لا تمل من الدعاء له، فإن الله هو مُقلّب القلوب، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

حفظ الله لك ابنك، وألهمك الحكمة في توجيهه وهداه إلى ما يحب ويرضى.