الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
301 - رقم الاستشارة : 780
23/01/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أريد أن أعرف: كيف أربي ابنتي التي تبلغ من العمر ثلاثة شهور تربية دينية سليمة وصحيحة خالية من أية أشياء تبدو غير سليمة، وجزاك الله خيرًا يا شيخنا، وجعل كل هذا في ميزان حسناتك، وجعل مثواكم الجنة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أختي الكريمة، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وأدعوه سبحانه أن يثبتني وإياك وجميع المسلمين على طاعته وتقواه، وبعد..
فأهنئك على هذه النية الطيبة في تربية ابنتك –حفظها الله وبارك فيها– تربية دينية صحيحة، وأسأله –سبحانه- أن يجعل هذه النية وعملك من بعدها بمقتضاها في ميزان حسناتك.
ويقول علماؤنا الأجلاء إن تربية الأبناء تبدأ من قبل ولادتهم، باختيار الأب أو الأم الصالحة لهم، ثم تعاون الأبوين الصالحين على هذه التربية، حتى لا يبني أحدهما ويهدم الآخر، لينتجا أولادًا نافعين لأنفسهم، ولمجتمعهم، ولدينهم وأمتهم وأوطانهم.
وأتوقع -إن شاء الله- أن يكون زوجك على نفس همتك العالية هذه، وعلى نفس القدر من الرغبة في تربية ابنتكما تربية صالحة. ولتحمدي الله عز وجل أن هداك لهذا الأمر وما زالت ابنتك تعيش شهورها الأولى في هذه الحياة، فكثير من الآباء والأمهات يغفلون عن أمر التربية حتى يشب أبناؤهم على نهج خاطئ، وينتبهون لهذا بعد أن يفوت الوقت، وحينها لا ينفع الندم ولا يمكن الاستدراك.
وبالطبع أمر تربية الأبناء لا يمكن إحاطته من جميع جوانبه في استشارة واحدة، فهذا أمر واسع ومتفرع، تؤلف فيه الكتب، ولكني أحاول في السطور التالية أن أقدم لك بعض النقاط العامة المبدئية التي يجب أن تحرصي عليها لتحققي هدفك في تربية ابنتك تربية صالحة:
1- تحري الحلال في طعامها وشرابها وملبسها، وكل ما يُنفَق عليها؛ فالله عز وجل لا يبارك في الحرام، وكل لحم نبت من حرام فهو ممحوق البركة، والنار أولى به -والعياذ بالله- كما أخبر سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
2- الحرص على توفير بيئة صالحة من حولها؛ فالابن لا يربيه أبواه فقط، بل يربيه المجتمع كله من حوله: الأقارب والأصدقاء والزملاء والمعلمون والجيران، فإن كان هؤلاء صالحين ساعدوك على ما تريدين لابنتك، وإن كانوا غير ذلك، فإن هذا حتما يؤثر على ابنتك الحبيبة.
إلا أننا بالطبع لا نستطيع أن نتحكم في كل ما يحوطنا من ظروف، وأحيانًا لا نستطيع اختيار بعض العلاقات التي قد تفرض علينا، وكذلك لا نستطيع أن نحصر علاقات أبنائنا في نطاق الأسرة فقط، فحتمًا سيحتكُّون بالمجتمع من حولهم ويتعرضون لبعض السلبيات الموجودة فيه؛ لذا يجب علينا أن نربيهم على معرفة الصواب من الخطأ، ونعلمهم كيف يحكمون على البشر من حولهم، وكيف يتعاملون مع كل إنسان حسب صفاته وأخلاقه.
3- الموازنة بين الانفتاح والحرية دون ضوابط، وبين التقييد والانعزال التام، فبعض الآباء يتركون لأبنائهم الحرية دون أية ضوابط أو محاسبة، فيضيعون ويقعون في مصائب كبيرة، والبعض الآخر يقيد أبناءه ويعزلهم عن المجتمع، فيشبون معقدين منكمشين وعاجزين عن التعامل مع المجتمع من حولهم، ويسبب لهم هذا الفشل على المستوى العملي والاجتماعي في المستقبل.
4- الحذر من التدليل الزائد والقسوة المفرطة، فكلاهما ضار وعواقبه وخيمة على نفسية الأولاد، ولكن تقدر الأمور والمواقف بقدرها، والتعامل معها على حسب ما تقتضيه.
5- اعتماد الثواب والعقاب، والتوازن بينهما، بحيث نستخدم الثواب في مكانه وبالقدر الذي يقتضيه الموقف، ونستخدم العقاب في مكانه وبالقدر الذي يقتضيه الموقف، دون إفراط أو تفريط. وأساليب الثواب والعقاب كثيرة، لا يتسع لذكرها المقام، فلتحرصي على التنويع بينها وحسن استخدامها بحيث تؤدي غرضها.
6- تنمية المراقبة الذاتية، ويقظة الضمير، بحيث تكون ابنتك في حال خلوتها أو بعدها عنك، كحالها وهي معك أو في وسط من يعرفها، وذلك يكون بتربيتها على تقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن، وشعورها بأنه -سبحانه وتعالى- مطلع عليها في كل وقت.
7- الحرص على دوام الحوار بينكما والمصارحة في كل شيء، بحيث تتعود ابنتك على عدم إخفاء أي أمر يخصها عنك، فتكونين بهذا على اطلاع مستمر على كل أحوالها، وذلك لن يحدث إلا ببناء الثقة بينكما، وبتشجيعك لها على هذا بالاستماع والإنصات الجيدين، والمشاركة الإيجابية، والنصيحة العملية المخلصة.
8- تشجيعها على التعلم الذاتي، وحب القراءة والاطلاع.
9- استكشاف هواياتها المحببة، وتنميتها، وتشجيعها على القيام بها، وتوفير ما تطلبه من أدوات أو أماكن، حسب القدرة والاستطاعة.
10- تشجيعها على إبداء آرائها، وإشراكها في بعض النقاشات التي يمكن أن تشارك فيها، مما يتناول أمور الأسرة.
11- القدوة ثم القدوة ثم القدوة، منك ومن والدها، فاحرصا أن تكونا لها مثلاً تقتدي به، فلا تأمريها بشيء لا تقومين به، ولا تنهيها عن شيء تفعلينه، فتفقدين ثقتها واحترامها وطاعتها.
12- تعليمها أمور دينها وفقه العبادات المفروضة عليها حسب عمرها، ومتابعة قيامها بالفرائض، من صلاة وصيام وغيرها، وتشجيعها عليها، وتحفيظها ما تيسر من القرآن الكريم. ولم أؤخر ذكر هذا الأمر تقليلاً من شأنه، ولكن لألفت نظرك أن التربية الدينية ليست فقط بتعليم الأبناء العبادات وتحفيظهم القرآن، وإنما لا بد أن يكون مع هذا أمور أخرى كثيرة، حتى لا يتحول أبناؤنا إلى آلات وأبنية خاوية من روح الإسلام، وتلك هي التربية الإسلامية الصحيحة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام والسلف الصالح من بعدهم يربون أبناءهم عليها، فأنتجوا لنا تلك الأجيال العظيمة والقمم السامقة في كل ميادين الحياة.
بالطبع كانت تلك بعض النصائح العامة كما قلت لك في البداية، ولا يسعنا المقام للتفصيل، ولذا أنصحك أختي بعدم الاكتفاء بهذه الكلمات، وإنما يجب عليك أن تطالعي كتب التربية لتستفيدي منها تفاصيل أكثر ومعلومات أكثر، وأرشح لك أن تبدئي بكتاب «تربية الأولاد في الإسلام» للأستاذ عبد الله ناصح علوان، فهو مرجع طيب في بابه.
وأخيرًا، أسأل الله -عز وجل- أن يوفقك لما أردت من خير، وأن ينبت ابنتك نباتًا حسنًا، وأن يجعلها هي ومن يرزقك الله به من أولاد بعدها ذخرا لك ولأمة الإسلام، وتابعينا بأخبارك.