الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
39 - رقم الاستشارة : 1846
05/05/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أكتب إليك بقلب مثقل بالحزن والخذلان.. فأنا أم لابن يبلغ من العمر الآن 14 عامًا، ومنذ أن كان في الثامنة من عمره وهو يُبلّل نفسه يوميًّا، سواء في النهار أو أثناء النوم.
في البداية ظننت أن الأمر مجرد تهاون أو كسل، وربما بسبب التوتر المدرسي، لكن السنوات مضت والوضع لم يتغير!
أصبح الأمر عبئًا نفسيًّا كبيرًا عليَّ وعلى الأسرة.. حاولت معه كل الأساليب: التهديد، واللين، والمكافآت، والحرمان، بل لجأت إلى طبيب أطفال قال إنه سليم عضويًّا، فظننت أن العيب في التربية أو فيّ أنا كأم!
لم يعد يذهب للمناسبات أو يبيت عند أقاربه أو حتى يختلط بأصدقائه، يخجل من نفسه ويكره مظهره، بل بدأ ينعزل شيئًا فشيئًا عنّا جميعًا.
أشعر أني فشلت في تربيته، لا أعرف ما إذا كنت السبب فيما يحدث، أم أن هناك شيئًا خفيًا لم أنتبه له!
أرجوك دكتورة أميمة ساعديني.. ابني يضيع من يدي، وأنا على وشك الانهيار.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أيتها الأم التي أثقل الحزنُ كاهلها.. يا من طال بها البلاء واستعصى عليها الدواء، أحييك على شجاعتك وصدقك في عرض المشكلة، وأطمئنك بداية أن ما تمرّين به ليس ناتجًا عن تقصير، بل هو تحدٍّ تربوي ونفسي قابل للتعامل معه بإذن الله تعالى.
ما يمر به ابنك يُعرف في علم النفس التربوي بمصطلح (Secondary Enuresis) أي "التبول الثانوي اللاإرادي"، ويُصنَّف ضمن الاضطرابات النفسجسمية Psychosomatic Disorders، حيث لا يكون السبب عضويًّا، بل نفسيًّا سلوكيًّا، ويظهر عادة عند الأطفال الذين مرّوا بصدمة أو ضغط نفسي مزمن أو فقدان شعور بالأمان.
من المهم أن تعلمي أن اللوم أو المقارنة أو استخدام العقاب أو حتى التهديد بالحرمان لا يُجدي، بل يزيد الأمر تعقيدًا؛ إذ يؤثر لديه على مفهوم الذات، ويهدم ثقته واحترامه لنفسه، ويشعره بالخزي والذنب.
حبيبتي.. ابنك بحاجة ماسة إلى الآتي:
1- تقدير حالته كحالة مرضية وليست سلوكية بحتة، ومراعاة البُعد النفسي العميق وراء هذا العرَض.
2- إعادة بناء الشعور بالأمان الداخلي لديه، وهذا يتحقق بالحوار الدافئ، والدعم اللفظي الإيجابي، والاحتواء الوجداني.
3- زيارة طبيب مسالك بولية وإجراء فحوصات شاملة للتأكد أنه لا يعاني من أي أسباب عضوية تؤدي للتبول اللاإرادي.
4- وفي حال الاطمئنان بإذن الله تعالى أن الأسباب ليست عضوية.. فيجب التوجه إلى طبيب نفسي متخصص في الأطفال والمراهقين لإجراء تقييم شامل لحالته النفسية، فقد يكون لديه أعراض قلق نفسي، أو اضطراب ضغوط ما بعد الصدمة PTSD أو غيره من الاضطرابات المرتبطة بخبرات سابقة.
5- المتابعة مع أخصائي سلوكي لتطبيق برامج تعديل السلوك عبر تقنيات مثل: جدول المكافآت، تدريبات التحكم في المثانة (Bladder Training)، واستخدام الإنذارات الليلية (Enuresis Alarms).
* أما أنتِ أيتها الأم الحزينة.. فرفقًا بقلبك.. فالأم لا تُلام، وإنما تُشاد بجهدها، قال الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}.. فالله يُوصي بكم أنتم، فلا تقسي أنت على نفسك.
ولا تنسي أن ما أصابك وأصاب ابنك ليس إلا اختبارًا من الله ليرفعك به درجات، فإن في البلاء منحة، وفي الصبر جائزة، قال النبي ﷺ: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه".
* همسة أخيرة لقلب أختي الحبيبة:
ثقي أن الابن الذي يعاني في صمت يحتاج أُمًّا تطمئنه، لا أُمًّا تلومه.. يحتاج قلبًا يربت على ضعفه، لا يدًا تشير إلى عجزه..
وصدق من قال:
ولَرُبَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى ** ذرعًا، وعندَ الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استُحكمت حلقاتُها ** فُرجت، وكنت أظنها لا تُفرجُ
فأبشري بالفرج، وابحثي عن العلاج النفسي المختص، وكوني له وطنًا لا سجنًا، سندًا لا سببًا في الانهيار.. وظني في الله خيرًا أنه معك ما دمتي في معيته وحسن طاعته ولا تملي من الدعاء.
أسأل الله أن يشفي ابنك ويطمئن قلبك ويصلح أحوالكما.