الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
124 - رقم الاستشارة : 928
08/02/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتورة، أتوجه إليكِ اليوم بعد الله بقلبٍ مثقل بالهمّ، لأن ابني البالغ من العمر تسع سنوات يعاني من مشكلة تؤرقه وتؤلمني كأم. ابني يتعرض للتنمر من قبل بعض زملائه في المدرسة بسبب شكل أذنيه، مما تسبب له في عقدة نفسية. لاحظت أنه أصبح يتجنب الاختلاط مع الآخرين، ويفضل الانعزال، كما أنه بدأ يفقد الثقة في نفسه. أخشى أن يؤثر ذلك على نموه النفسي والاجتماعي بشكل سلبي. أريد منكِ أن تقدمي لي النصيحة والحلول المناسبة، وكيف يمكنني مساعدته في تجاوز هذه الأزمة؟ كما أود أن أتعلم كيفية دعم ثقته بنفسه، وكيف أتعامل مع المدرسة وزملائه لحماية ابني من المزيد من الأذى النفسي؟ ومقدما، جزاكِ الله خيرًا على مساعدتكِ.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أختي الكريمة، أشعر بمدى الألم الذي تعانينه أنتِ وابنك، وأؤكد لكِ أن مشاعركِ ومشاعره طبيعية في مثل هذه المواقف الصعبة. سأحاول أن أقدم لكِ إجابة تربوية نفسية شاملة لكي تساعدك في تهدئة قلبكِ وقلب ابنكِ إن شاء الله تعالى.
ولفهم طبيعة المشكلة وما يعانيه ابنكِ فينبغي أن تعرفي أن التنمر المدرسي أو (School Bullying) هو سلوك عدواني متكرر يهدف إلى إيذاء الآخرين نفسيًّا أو جسديًّا.
والتنمر عمومًا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة، مثل: انخفاض تقدير الذات، القلق الاجتماعي، وربما أدى إلى الاكتئاب، إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح.
* وهنا من الجيد أن تتعرفي على كيفية مساعدة ابنكِ، ولذلك أوصيكِ بالآتي:
١- تحدثي مع ابنكِ بحنان واستمعي إليه دون مقاطعة، فمن الضرورى خلق تواصل عاطفي بينكما أو ما يسمى بـ Emotional Communication؛ لأن ابنك يحتاجه كثيرًا في تلك الظروف.
- دعيه يعبر عن مشاعره بحرية، فهذا يساعده على الشعور بأنه مسموع ومفهوم.
- استخدمي معه عبارات، مثل: "أنا أفهم أنك تشعر بالألم، وأنا هنا لأدعمك"، "أنت شخص مميز ولا يعرف الآخرون قيمتك الحقيقية".
٢- لا بد أيضًا من تعزيز تقدير الذات لديه (Self-Esteem Enhancement)
- ذكّريه بصفاته الإيجابية وقدراته. مثلاً، قولي له: "أنت ذكي ومبدع، وهذا أهم من أي شكل خارجي".
- شجعيه على المشاركة في الأنشطة التي يحبها ويبرع فيها، مثل الرياضة أو الرسم أو القراءة، وهذا يعزز ثقته بنفسه.
٣- علميه Coping Skills وتعني مهارات المواجهة.. علميه كيف يواجه الأخرين ويتعامل مع المتنمرين بتجاهلهم أو الرد عليهم بحكمة وكل هدوء، ليتعود على الثبات الانفعالي، قولي له على سبيل المثال: "إذا قالوا شيئًا مؤذيًا، فقل لهم: هذا لا يهمني، أنا فخور بنفسي".
- ثم شجعيه على تكوين صداقات مع الأطفال اللطفاء الذين يدعمونه.
٤- من المهم جدًّا تعاونك مع المدرسة..
- تواصلي مع إدارة المدرسة ومعلميه وكذلك الإخصائيات (الاجتماعية والنفسية) لتوضيح الموقف وطلب مساعدتهم في مراقبة السلوك العدواني وحماية ابنكِ، فهذه مسؤوليتهم داخل المدرسة.
٥- رسخي بداخله دومًا الأسس الدينية السليمة، حفظيه القرآن الكريم فهو خير مؤنس له ولقلبه، وأكدي له أن المؤمن قوي ولا يستسلم للضعف، فلقد قال تعالي: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا أن: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، فلا بد أن نكون أقوياء في مواجهة التحديات.
- وكذلك ذكريه دومًا بالمرضى وأصحاب الإعاقات من ذوي الهمم وفاقدي السمع.
- علميه أن يكون حمد الله وشكره على لسانه بأنه يتمتع بنعمة السمع والكلام والعقل والصحة عمومًا.
٦- عوديه أيضًا على الصبر مع العمل على تحسين وضعه؛ فالصبر على كلام الناس وإيذائهم النفسي من أرقى درجات الصبر، وأن يكون التعليم هو شغله الشاغل ولا يلتفت للصغائر من الكلمات التافهة الصادرة من زملائه، والتي هي من معوقات لتعليمه ومحاولة منهم لإفشاله، ولذلك لا بد وأن يكون صاحب شخصية قوية كي يتحداهم جميعا ويصبح متفوقًا عليهم، وللإمام الشافعي في هذا المعنى كلمات جميلة مطمئنة:
اصْبِرْ عَلَى مُرِّ الْجَفَا مِنْ مُعَلِّمٍ ** فَإِنَّ رُسُوبَ الْعِلْمِ فِي نَفَرَاتِهِ
وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مُرَّ التَّعَلُّمِ سَاعَةً ** تَجَرَّعَ ذُلَّ الْجَهْلِ طُولَ حَيَاتِهِ
* كما أقدم إليكِ غاليتي بعض النصائح العملية التي تساعدكما على اجتياز هذه الأزمة بنجاح وسلامة بإذن الله تعالى:
١- شجعي ابنكِ على اللعب والمرح مع أصدقائه المقربين، فهذا يساعده على نسيان الألم.
٢- اقرئي له قصصًا عن شخصيات عانت من التنمر وتغلبت عليه، مثل قصص الأنبياء والصحابة أو الشخصيات التاريخية والناجحة.
٣- إذا لاحظتِ غاليتي أن المشكلة تتفاقم معه، فيمكنكِ استشارة إخصائي نفسي للأطفال لمساعدته في تجاوز هذه الأزمة النفسية.
* وهمسة أخيرة لأختي الكريمة:
تذكري أن ابنكِ يحتاج إلى حبكِ ودعمكِ أكثر من أي شيء آخر، فكوني له السند الذي يعتمد عليه، وستجدين أنه سيتخطى هذه المحنة بإذن الله تعالى.
والقرأن الكريم يؤكد لنا هذا المعنى في قول الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
وكذلك أبشري، فإن ابنك رغم الاختلاف الخلقي في أذنيه، لعل عوضَه من الله عز وجل يكون كبيرًا ويصبح من أفضل الشخصيات المميزة في مجال عمله ودراسته ونافعًا لأمته، وسبحان الله ربما تكون أذناه هما السبب! فلقد قال عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
أسأل الله أن يخفف عنكِ وعن ابنكِ، وأن يمنحه القوة والثقة في نفسه وأن يبارك لك فيه.