23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 252
  • رقم الاستشارة : 713
17/01/2025

أنا شاب ٢٢ عام، أعيش في صراع نفسي كبير منذ سنوات.. نشأت في أسرة محافظة، وكنت دائمًا الطالب المثالي الذي يرضي الجميع، لكن مع دخولي الجامعة، بدأت أشعر بأنني أعيش حياة لا تعبر عني، أشعر أنني مضطر دائمًا لإرضاء والديّ وأساتذتي، وأخشى أن أتخذ قرارات قد تخالف توقعاتهم. بداخلي شغف كبير بالفن والرسم، لكن والدي يصرّان على أن أواصل دراسة الهندسة لأنها تؤمن لي "مستقبلًا مضمونًا" حاولت أن أوازن بين الدراسة وشغفي، لكنني أفشل في الأمرين، أصبحت أشعر بالإرهاق والضياع، وأعيش حالة من القلق الدائم والخوف من الفشل. أكثر ما يؤلمني هو شعوري بأنني لا أعيش الحياة التي أريدها، وأنني مجرد شخص يعيش لإرضاء الآخرين، أحيانًا أفكر في ترك كل شيء والبدء من جديد، لكنني أخشى أن يُنظر إلي على أنني فاشل أو عاق، أشعر وكأنني عالق في دائرة لا أستطيع الخروج منها، كيف أجد نفسي؟ وكيف أتخذ القرار الصحيح؟؟

الإجابة 17/01/2025

ابني العزيز،

أشعر بعمق المعاناة التي تعيشها، وصراعك هذا يُعرف بـ"تضارب الأدوار" (Role Conflict) أو "صراع الهوية" (Identity Crisis)، وهو شعور طبيعي يمر به كثير من الشباب في العشرينيات، حيث يبحثون عن ذواتهم في ظل الضغوط الاجتماعية والأسرية.

في هذه المرحلة العمرية، أنت تواجه تحديًا رئيسيًّا يتمثل في تحقيق التوازن بين تحقيق تطلعاتك الشخصية وتلبية توقعات الآخرين.. هذا التحدي يُسمي بـ"الاستقلال العاطفي" (Emotional Independence)، وهو جزء من عملية النضوج النفسي.

ولكي تلمس جذور المشكلة لا بد وأن تعي أن خوفك من الفشل ومن إرضاء الآخرين هو ما يُسمي بـ"قلق الأداء" حيث تربط قيمتك الذاتية بتقييم الآخرين لك، ولذلك من المهم أن تدرك أن رغبتك في تحقيق شغفك لا تعني بالضرورة أنك عاق أو فاشل، بل هي جزء من حقك الطبيعي في اختيار مسار حياتك.

وهنا سأوصيك بالآتي:

أولا: إعادة تقييم أولوياتك:

بمعنى أن تجلس مع نفسك وتكتب قائمة بالأشياء التي تُحبها وتجعلك سعيدًا مثل الرسم، وقائمة أخرى بالأشياء التي تقوم بها فقط لإرضاء الآخرين.

فكّر في.. هل يمكنك الجمع بين دراستك الهندسية وشغفك بالفن؟

فقد يكون الحل في إدارة وقتك بشكل أفضل؛ فتنظيم الوقت يجعلك تستثمره بشكل أفضل في إنجاز المهام والأهداف التي تحددها لنفسك، ومن ثم تستطيع تحقيق نجاح في مجال دراستك وهوايتك معًا.

ثانيًا: ضرورة التحدث مع أسرتك:

استخدم الحوار الهادئ والصادق مع والديك، وضح لهما أنك تُقدّر رأيهما وتفهم خوفهما على مستقبلك، ولكنك بحاجة أيضًا إلى مساحة لتطوير موهبتك...

فقُل لهما مثلًا: "أعلم أنكما تريدان الأفضل لي، وأقدر ذلك، لكنْ لدي شغف بالفن وأريد استثماره بجانب دراستي، ويمكنني تحقيق التوازن إذا حصلت على دعمكما."

ثالثًا: من الضروري تطوير ذاتك:

فلا تنظر إلى شغفك كبديل لدراستك، بل كإضافة، فيمكنك أخذ دورات قصيرة في الرسم أو المشاركة في معارض محلية دون ترك دراستك الأساسية، وهذا ما يُسمى بـ"التنظيم الذاتي" (Self-Regulation)، وهو مهارة تُساعدك على إدارة وقتك وطاقتك لتحقيق أهداف متعددة.

رابعًا: عليك إدراك أهمية طلب المشورة:

فإذا كنت تجد صعوبة في اتخاذ القرار، ففكر في استشارة مستشار نفسي أو تربوي يساعدك على تحديد أهدافك ووضع خطة عملية لتحقيقها؛ فالمستشار النفسي أو التربوي حاليًا لم يصبح اللجوء إليه من الرفاهية، بل هو مساعد وداعم حقيقي.

ولا تغفل يا بني أهمية احتياج كل منا إلى دعم نفسي وروحي دائم، وهذا يكون باللجوء إلى الله تعالى، وأن تكون دائما في معيته عز وجل، بالدعاء مع الصبر، والأهم المحافظة على العبادات وخاصة الصلاوات على وقتها.. فلقد قال الله تعالى: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾، الصبر هنا ليس فقط على المشاكل والضغط على أعصابك ونفسيتك، بل هو أيضًا يعمل على بناء نفسك وتطويرها...

وتذكّر قوله تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.. فقد تكون دراسة الهندسة خيرًا لك مستقبلا وعلى المدى البعيد، ولكنك تستطيع أن تجمعها مع شغفك.

كما أذكرك أيضا بضرورة الاستخارة في اتخاذ جميع قراراتك، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ..." إلى آخر الدعاء.

هذا الدعاء يمنحك الطمأنينة لتتخذ القرار المناسب، ولا بد أن تكون على ثقة في اختيار الله تعالى أنه الخير الحقيقي لك.

▪ وهمسة أخيرة لابني الغالي:

لا تعتقد أن النجاح يعني دائمًا إرضاء الآخرين، النجاح الحقيقي هو أن تعيش حياة تحقق فيها ذاتك، دون أن تتخلى عن مسؤولياتك.