الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
64 - رقم الاستشارة : 1780
28/04/2025
مساء الخير يا دكتورة أميمة، أنا أم لطفل وحيد عنده ٥ سنين، ربنا يحميه.
بصراحة أنا نفسي أبدأ أشغله بحاجة مفيدة، وفكرت أدخله لعبة رياضية تنمّي جسمه وتقوّي شخصيته.
بس أنا محتارة جدًا ومش عارفة أختارله إيه!
هو مش مبيّن ميول واضحة ناحية رياضة معينة، يعني ساعات ألاقيه بيجري ويلعب كورة، وساعات تانية ألاقيه بيقلد حركات الكاراتيه، وأوقات تانية يزهق بسرعة وميرضاش يكمل اللعب.
أنا مش عايزة أفرض عليه لعبة هو مش بيحبها، ولا كمان أسيبه كده من غير ما أوجهه لشيء ينفعه.
فبصراحة مش عارفة أختار له إيه؟
هل أسيبه يجرب كذا رياضة وأشوف هو هيرتاح لمين فيهم؟ ولا أختار له أنا على حسب اللي شايفة إنه ينفعه؟
كمان أنا حابة تكون الرياضة اللي يلعبها مش بس فيها حركة، لكن كمان تساعده على بناء شخصيته وتقوي ثقته في نفسه.
ممكن حضرتك تنصحيني أتصرف إزاي؟
أختي الواعية،
أحييكِ على وعيكِ وحرصكِ على تربية طفلكِ تربيةً متوازنة، وهذا يدل على أنكِ أُم تملكين "الذكاء التربوي" الذي هو أساس بناء شخصية الطفل بصورة صحيحة ومستقرة.
دعيني أوضح لكِ الأمور بهدوء ورفق وفقًا لعلم النفس التربوي، حتى تتفهمي الأمور جيدًا:
أولًا: طفلكِ الآن في مرحلة الطفولة المبكرة (Early Childhood Stage)، وهي مرحلة تتسم بسرعة التغير في الميول والرغبات، حيث ما يسمى بـ"التقلب الطبيعي في الاهتمامات" (Normal Fluctuation of Interests). لذلك، من الطبيعي ألا تكون ميوله الرياضية قد استقرت بعد بشكل واضح.
ثانيًا: من المهم أن نعتمد على ما يُعرف في التربية الحديثة بمبدأ "الاستكشاف الموجه" (Guided Exploration)، وهو أن نتيح للطفل الفرصة لتجربة أنشطة متنوعة، ثم نلاحظ أين يظهر حماسه واندماجه الحقيقي.
ثالثًا: ينبغي ألا نفرض على الطفل نشاطًا لم يختره أو لا يشعر بالارتياح تجاهه؛ لأن الفرض يؤدي إلى ما يسمى في علم النفس التربوي بـ"المقاومة السلوكية السلبية" (Passive Behavioral Resistance)، وقد يفقد الطفل شغفه وحماسه للرياضة عمومًا.
رابعًا: من الأفضل أن تقدمي له خيارات محدودة بدلًا من تركه تائهًا بين كثير من الاختيارات؛ لأن كثرة البدائل قد تسبب له حالة من "الحيرة المفرطة"، مما يضعف حماسه وقراره..
فاختارى أنت أولاً له عددًا من الرياضات المختلفة التي ترينها مناسبة لجنسه وقدراته الجسمانية والصحية وبعض الاعتبارات الأخرى التي يهمك أن يتعلمها، ثم اقترحي عليه مثلًا: "تحب تجرب تلعب كورة ولا جودو ولا سباحة؟"، ودعيه يختار بإرادته الحرة.
خامسًا: يجب أن تنتبهي في اختياركم للرياضة المناسبة ينبغي أن تراعوا عدة أبعاد لتحددوا الاختيار على أساسها:
- البُعد الجسدي: هل لديه مرونة، قوة، سرعة استجابة؟
- البُعد النفسي: هل يحب التفاعل الجماعي أم يفضل العمل الفردي؟
- البُعد الشخصي: هل يتمتع بالمثابرة أم يمل بسرعة؟
سادسًا: أنصحكِ أن تبدئي معه برياضات أساسية تنمي المهارات الحركية العامة وتعمل على ليونته البدنية، مثل الجمباز أو السباحة أو الكاراتيه أو كرة القدم، فهي رياضات تُسهم أيضًا في تعزيز الثقة بالنفس والانضباط الذاتي.
* للحق، أنا سعيدة جدًّا برسالتك الواعية هذه؛ فديننا العظيم يحثنا على قوة الجسد وأهم ما يساعد على ذلك هي الرياضة، فقد قال رسول الله ﷺ: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير".
وهذا يشمل القوة البدنية والنفسية والعقلية، فدعم الطفل في تطوير قوته الشاملة عبادةٌ وعملٌ صالح أيضا يقوى شخصيته.
كذلك قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل".
* حبيبتي الأم الصغيرة، احرصي أثناء هذا المشوار على تعزيز مفاهيم التشجيع الإيجابي (Positive Reinforcement)، بمعنى أن تثني عليه عندما يجرب، حتى لو لم يتقن اللعبة فورًا؛ فالتشجيع يصنع دافعية داخلية مستدامة.
ولكن، احذري يا عزيزتي من المقارنة بينه وبين غيره من الأطفال، فهذا قد يؤدي إلى مشاعر الإحباط والدونية.
كما أوصيكِ بمتابعة سلوكه بعد تجربة الرياضة:
إن لاحظتِ أنه يعود سعيدًا ومستبشرًا؛ فاعلمي أن الرياضة مناسبة له.
وإن عاد حزينًا ومتعبًا نفسيًّا، فتوقفي وأعيدي التقييم.
* همسة أخيرة للأم الصغيرة:
امنحي طفلكِ الفرصة للاستكشاف مع التوجيه الرقيق، واستثمري في بناء قوته الجسدية والنفسية بروح من الفرح والدعم، لا بالضغط أو الفرض.
وليكن شعاركِ: "أساعده ليحب هو الرياضة، لا ليحب الرياضة لمجرد أنني أريد".
حماكِ الله، وبارك في صغيركِ، وأقرّ به عينكِ، وجعله من السعداء الأقوياء في الدنيا والآخرة.