الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
47 - رقم الاستشارة : 1776
28/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته دكتورة،
أنا أم لابنة عمرها ١١ سنة، وأحتاج استشارتك التربوية بخصوص مشكلة تؤرقني كثيرًا.
ابنتي منذ صغرها وهي قليلة الشهية للأكل، ولكن مع تقدمها في العمر، لاحظت أن الوضع أصبح مقلقًا للغاية. فهي تكاد لا تأكل شيئًا يُذكر طوال اليوم! قد تكتفي بلقمتين أو ثلاث طوال النهار، ولا تُبدي أي رغبة في تناول الطعام حتى لو حاولت تحضير أكلاتها المفضلة أو تزيين الأطباق بشكل مغرٍ.
وزنها أقل بكثير من المعدل الطبيعي لعمرها، وجسمها هزيل وضعيف جدًا، حتى أن ملامح وجهها تبدو شاحبة.
لاحظت كذلك أنها سريعة التعب ولا تتحمل أي مجهود بسيط، سواء في المدرسة أو أثناء اللعب، وتصاب بالدوار أحيانًا.
حاولت بكل الطرق أن أشجعها على الأكل:
جلست معها أثناء الوجبات،
مدحتها أمام العائلة عندما تأكل،
جربت تقديم مكافآت عندما تنهي طبقها،
ومرات أخرى حاولت الضغط عليها قليلاً بالكلام أو التهديد بالحرمان من أشياء تحبها إذا لم تأكل.
لكن للأسف، لم تُجدِ كل هذه الطرق نفعًا، بل أحيانًا أشعر أن عنادها يزيد مع كل محاولة للضغط عليها، وتفقد شهيتها أكثر!
ذهبت بها إلى طبيبة الأطفال، وأجرت بعض الفحوصات الأساسية، والحمد لله لا توجد مشكلة صحية عضوية ظاهرة. قيل لي إنه قد يكون السبب نفسي أو سلوكي.
الآن أنا حائرة وخائفة عليها جدًا،
لا أعرف كيف أتعامل مع هذه المشكلة من الناحية التربوية دون أن أسبب لها ضغطًا نفسيًا أكبر، أو أخلق لديها عقدة تجاه الطعام أو جسدها.
أريد أن تتغذى بشكل جيد لينمو جسدها بشكل سليم، ولكن بنفس الوقت لا أريد أن أضغطها أو أجرح مشاعرها.
أرجوكِ يا دكتورة،
دليني على طريقة تربوية عملية وعلمية لمساعدتها بلطف وفاعلية، كيف أعزز شهيتها للأكل بطريقة صحية نفسياً وجسدياً؟
جزاكِ الله خيراً،
بانتظار نصيحتك الغالية.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أختي الكريمة،
في البداية أود أن أطمئنك، ولكن دعيني أتناول معكِ الأمر بتفصيل علمي وتربوي:
أولًا: لا بد من فهم طبيعة المشكلة تربويًّا ونفسيًّا..
إن فقدان الشهية عند الأطفال في مثل هذا العمر (Late Childhood) قد يكون ناتجًا عن عوامل متعددة تتداخل فيها الجوانب النفسية والبيئية معًا، ومن أبرز هذه العوامل:
1- الضغوطات النفسية (Emotional Stress):
قد تمر الطفلة بمشاعر داخلية مثل القلق أو الخوف أو عدم الأمان، فتنعكس على شهيتها دون أن تُفصح عن مشاعرها صراحة.
٢- الرغبة في الاستقلال والسيطرة:
الأطفال في هذا العمر يبدؤون في اختبار حدود استقلالهم، وقد يُظهرون الرفض للأكل كوسيلة لإثبات الذات والتحكم فيما يخص أجسادهم، وهو ما يُعرف في علم النفس التربوي بـ Autonomy Assertion أي تأكيد الاستقلالية.
ممارسات الإطعام السلبية Negative Feeding Practices)) مثل الضغط أو الإلحاح الشديد أو استخدام التهديد أو المكافآت المفرطة، مما قد يؤدي إلى ما يسمى نفور الطعام (Food Aversion).
ثانيًا: إليك عزيزتي خطوات عملية وعلمية للتعامل التربوي الصحيح معها:
1- احتواء مشاعرها دون ضغط
أهم ما تحتاجه ابنتكِ الآن هو الشعور بالأمان العاطفي. لا تجعلي الأكل معركة بينكما. دعيها تشعر أن حبك لها غير مشروط بأكلها أو بوزنها. قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾، فكيف بأقرب الناس إلينا: أولادنا؟
2- تعزيز علاقة إيجابية مع الطعام
اجعلي الطعام تجربة اجتماعية ممتعة، اجتمعي معها ومع العائلة على المائدة في جو مبهج دون أن تركزي عليها أو على كمية أكلها. دعي الطعام يكون حضورًا لطيفًا لا موضوعًا للنقاش.
3- احترام شعورها بالجوع والشبع
علميها أن تثق بإشارات جسدها (Body Awareness)، ولا تجبريها على الأكل عندما لا ترغب، بل قدمي الطعام بشكل متنوع وجذاب واتركي لها حرية الاختيار.
4- عدم استخدام الطعام كوسيلة للعقاب أو المكافأة
فهذا قد يؤدي إلى اضطرابات أكل مستقبلية، ويجعل علاقة الطفلة مع الطعام قائمة على المشاعر السلبية وليس على الاحتياج الجسدي.
5- تحفيزها لا إراديًّا على الأكل عبر إشراكها..
اجعليها تشارك في تحضير الطعام واختيار الأصناف البسيطة، فذلك يرفع دافعيتها الداخلية للأكل دون ضغط.
6- تدعيم الجانب النفسي الإيجابي..
ابحثي عن مهاراتها وميولها وشجعيها عليها؛ فتعزيز الثقة بالنفس يقلل من الضغوط النفسية التي قد تؤثر على شهيتها.
أختي الكريمة، اجعلي الدعاء سلاحك الخفي.
اهتمي بتدريبها على أساليب الاسترخاء.. كالأنشطة الفنية والرياضة الخفيفة، فإنها تعزز من تنظيم مشاعرها بصورة غير مباشرة.
راقبي تطورها برفق، وإن لاحظت استمرار الهزال أو ظهور علامات اضطرابات غذائية أعمق، فلا بأس من استشارة أخصائي تغذية أطفال بالتوازي مع الدعم النفسي التربوي.
* همسة أخيرة:
اطمئني أختي الحبيبة؛ فالتغيير الإيجابي في السلوكيات الغذائية يحتاج إلى صبر، ورحمة، وثبات، كما علمنا ديننا الحنيف، قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾، وتذكري أن التربية هي فن بناء الثقة والطمأنينة أولًا قبل تصحيح السلوك.
أسأل الله أن يبارك لكِ في ابنتكِ، ويرزقكِ الحكمة والرفق، ويقر عينكِ برؤيتها صحيحة البدن، طيبة النفس، مشرقة القلب.