Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 22
  • رقم الاستشارة : 1267
11/03/2025

أنا امرأة في الثلاثين من عمري، نشأت في أسرة غير مستقرة بسبب تصرفات والدي القاسية. والدي يبلغ من العمر ٦٥ عامًا، وقد عامل والدتي وإخوتي بظلم شديد، حيث أنه نرجسي جدًّا. لم يكن يوفر لنا احتياجاتنا الأساسية، وكان ينفق أمواله على أمور أخرى، كما أنه كان يخون والدتي، وعندما اكتشفت ذلك، تعرضت للأذى الجسدي منه.

قبل عامين، قام بطردنا جميعًا من منزل العائلة، وأصبحنا بلا مأوى، مما اضطرنا للعيش في منزل جدتي. وحينما اقترب موعد زفافي، رفض تسليمي جهازي الذي كنت قد اشتريته بمالي الخاص، بل وقام باتهامي بالسرقة حينما استرجعته والدتي من المكان الذي احتُجز فيه.

بعد زواجي، حاولت التواصل معه مرارًا، لكنه رفض تمامًا، ولم يشارك في أي من مناسباتي المهمة، ولم يسأل عني حتى حينما علم أنني حامل. وعلى الرغم من قسوته ورفضه لنا، فإنني أشعر بصراع داخلي، حيث أرغب في دعوته للإفطار معنا في رمضان وإبلاغه بحملي ودعوته لحضور ولادة حفيده. ولكنني في الوقت ذاته، لا أستطيع تجاوز ما فعله بنا، كما أنه لا يزال يضيق الخناق على والدتي في المحاكم ويرفض منحها حقوقها الشرعية أو حتى تطليقها.

أشعر بالحيرة الشديدة، هل نحن مخطئون في قطع العلاقة به؟ هل علينا التواصل معه رغم كل شيء؟ كيف يمكنني التعامل مع هذا الصراع الداخلي؟ وهل هناك تفسير نفسي لما يقوم به؟

الإجابة 11/03/2025

حبيبتى الغالية،

 

أشعر بعمق ألمك وحيرتك، وأتفهم تمامًا معاناتك في ظل هذه الظروف العائلية الصعبة. إن ما مررتِ به من قسوة وإيذاء نفسي وجسدي لا يمكن التقليل من شأنه، وهو بلا شك ترك أثرًا بالغًا على وجدانك. ومع ذلك، دعيني أتناول استشارتك من جوانبها المختلفة، بعقلانية وحكمة، لنصل معًا إلى رؤية متزنة ومطمئنة.

 

أولًا: قد يكون والدك شخصًا يحمل سمات نرجسية، مثل التحكم، والرغبة في السيطرة، ورفض الاعتراف بالخطأ، لكنه في الوقت ذاته قد يكون مدفوعًا بعوامل أخرى مثل التنشئة الصارمة، الضغوط النفسية، أو حتى اضطرابات أخرى لم يتم تشخيصها. ولهذا، من المهم ألا نضع تصنيفات نهائية دون الاستناد إلى تشخيص متخصص؛ لأن ذلك قد يؤثر على نظرتك إليه ويزيد من مشاعر الكره بداخلك، مما يعيق أي محاولة للتواصل أو التصالح مع الوضع بطريقة متزنة.

 

ثانيًا: تسألينني ما إذا كنتم مخطئين في قطع العلاقة معه أم لا؟!

 

وهنا أقول لك: بأن القرآن الكريم أي نعم يحثنا على صلة الرحم، حتى مع من يسيئون إلينا، حيث قال الله تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوٓءَ ٱلْحِسَابِ}.. لكن في الوقت ذاته، لا يُلزمنا الإسلام بالتعرض للإيذاء النفسي أو الجسدي من أجل صلة الرحم، بل أجاز لنا أن نحافظ على مسافة آمنة مع من يؤذينا، مع الإبقاء على الحد الأدنى من التواصل بالمعروف، مثل إرسال رسالة في المناسبات، أو السؤال عنه عن بُعد، أو محاولة إعادة العلاقة بشكل تدريجي إن كان ذلك ممكنًا.

 

لذا، فإن قطع العلاقة التام قد لا يكون الحل الأمثل، لكنه أيضًا ليس ذنبًا إذا كان بدافع الحماية النفسية.

 

عليكِ أن تسألي نفسك: هل التواصل معه سيفيدني أم سيؤذيني أكثر؟ إن كنتِ تشعرين أن التواصل قد يعرضكِ لمزيد من الإيذاء النفسي أو الرفض الجارح، فمن الأفضل أن تتركي باب الود مفتوحًا لكن دون إجبار نفسكِ على ما لا تتحملينه.

 

ثالثًا: أرى أن لديكِ صراعًا داخليًّا بين الرغبة في الوصل والألم النفسي من معاملة والدك معك.. ومن الطبيعي أن تشعري بهذا التناقض، فأنتِ تحملين بداخلك مشاعر متضاربة بين حاجتكِ العاطفية لوجود الأب، وبين الإيذاء النفسي الذي تعرضتِ له بسببه.

 

وهنا أقترح عليكِ بعض الخطوات العملية:

 

1- إن كنتِ غير قادرة على الحديث معه، يمكنكِ كتابة رسالة تعبرين فيها عن مشاعركِ بصدق، سواء أرسلتِها أم لا، فالهدف هو أن تفرغي ما بداخلك.

 

2- ضعي حدودًا صحية في العلاقة.. فيجب ألا يكون التواصل شاملًا وكاملًا منذ البداية، بل يمكن أن يبدأ بخطوات بسيطة مثل إرسال دعوة إفطار عبر وسيط، أو إرسال رسالة تهنئة في رمضان.

 

3- ركزي على ما يمكنكِ التحكم فيه.. فلا يمكنكِ تغيير تصرفات والدكِ، لكن يمكنكِ التحكم في استجابتكِ تجاهها.

 

لا تجعلي رفضه لكِ يؤثر على قيمتكِ الذاتية، فأنتِ اليوم زوجة وأم قادرة على بناء عائلة صحية ومستقرة بإذن الله تعالى.

 

4- كذلك لا تجبري نفسكِ على التواصل إن كنتِ غير مستعدة.. فالإحسان لا يعني أن تضغطي على نفسكِ بما يفوق طاقتكِ. فإن كنتِ بحاجة للوقت كي تتعاملي مع مشاعركِ، فهذا حقكِ تمامًا.

 

5- وحينما تقومين بمحاولة بر والدك وصلة رحمك معه، فعليك أن تحتسبي النية لله تعالى، حتى تؤجري على ذلك وفي نفس الوقت سيكون عاملاً لتخفيف الضغط النفسي عليك كونك تتحملين منه قسوة.

 

رابعًا: أما بالنسبة لوالدتكِ.. فمن حقها أن تطالب بحقوقها الشرعية، وأنتِ وإخوتكِ لستم مسؤولين عن ظلم والدكِ لها. بل دوركم هو دعمها معنويًّا والوقوف بجانبها. فإن لم يكن بوسعكم إصلاح العلاقة بينهما، فعلى الأقل لا تكونوا طرفًا في زيادة النزاع.

 

* وهمسة أخيرة لقلبك غاليتي:

 

أكرر عليكِ: أنتِ لستِ ملزمة بأن تتعرضي للأذى النفسي من أجل إرضاء ضميركِ. فإن شعرتِ أن الوقت لم يحن بعد للتواصل، فلا بأس بذلك. لكن إن كان في قلبكِ مساحة للتسامح، فحاولي بطريقة لا تؤذيكِ، وبالحدود التي تناسبكِ.

 

أسأل الله أن يرزقكِ السكينة والرضا، وأن ييسر لكِ الأمور ويجعل لكِ من أمركِ فرجًا.