أكره خطيبة توأمي.. كيف أتزن؟!!

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 294
  • رقم الاستشارة : 1978
17/05/2025

السلام عليكم دكتورة،

أنا فتاة عمري 25 سنة، أخت لأخ توأم، نشأنا معًا منذ الطفولة كأننا روح واحدة في جسدين، كنا لا نفترق أبدًا، وكان دائمًا الملجأ الأول لي في كل تفاصيل حياتي.

منذ عدة أشهر، تقدم لخطبة زميلة له في العمل، وهي فتاة مؤدبة كما يبدو، لكني لا أستطيع تقبُّلها إطلاقًا، وأشعر أنني أكرهها بلا سبب واضح، وكلما رأيته يتحدث عنها أو يتواصل معها اشتعل قلبي غيرة وحزنًا، وكأنني فقدت شيئًا كبيرًا من حياتي.

أصبحت حالتي النفسية متقلبة، كثيرة البكاء، أنعزل كثيرًا، وأشعر بوحدة شديدة، وأحيانًا ألوم نفسي وأحتقر مشاعري هذه، لأنها غير منطقية، لكنها أقوى مني.

دكتورة، أنا أحب أخي جدًّا، لكن ما أشعر به أرهقني نفسيًّا... كيف أتعامل مع هذه الغيرة؟ وكيف أقبل شريكة حياة أخي؟ وهل من الطبيعي أن أكون بهذه الحساسية؟

أرجوك ساعديني، لأني أشعر أني أختنق من الداخل.

الإجابة 17/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا ابنتي الغالية...

 

وصلتني كلماتكِ المشبعة بالمشاعر، ولامستُ ما بين السطور من حب عميق، وارتباط وجداني بأخيكِ التوأم، وهو أمر إنساني وطبيعي إلى حد كبير.

 

لكن المؤلم أن هذا الارتباط بدأ يتحول تدريجيًّا إلى ألم نفسي داخلي، وغيرة متعبة، وصراع بين قلبكِ الذي يحب، وعقلكِ الذي يحتار.. فأنتِ بحاجة لمن يُمسك بيدكِ بلطف، ويُضيء لكِ الطريق بحكمة، وهذا ما أرجو أن أقدّمه لكِ الآن، بإذن الله تعالى.

 

أولًا: لا بد أن تعلمي -يا ابنتي- أن الحب الفطري بين التوأم رابطة نادرة وفريدة؛ فالعلاقة بين التوائم تُعد من أقوى الروابط النفسية، فهي رابطة وجدانية تشبه في قوتها العلاقة بين الأم وطفلها، بل إن كثيرًا من الدراسات النفسية أشارت إلى أن التوأم يشعران بآلام بعضهما، ويتواصلان عاطفيًّا بطريقة تتجاوز المنطق الظاهري.

 

ما تشعرين به من تعلق شديد بأخيكِ هو أمر متوقع، ويدخل ضمن مفهوم: (Sibling Emotional Enmeshment)، أي: التداخل أو التشابك الوجداني بين الإخوة، ويكون أكثر بروزًا في حالة التوأم الذين عاشوا تجربة النمو والتعلم واللعب والخوف والاكتشاف معًا، في كل لحظة.

 

فلا تلومي نفسكِ على مشاعر نشأت من الحب، ولكن علينا الآن أن نُعيد ترتيب هذا الحب، ونوجهه توجيهًا ناضجًا.

 

ثانيًا: بالنسبة لغيرتكِ من خطيبته:

 

فإن شعوركِ بالغيرة من خطيبة أخيكِ ليس نابعًا من كراهية حقيقية لها، بل هو انعكاس داخلي لمشاعر فقْد خفية، ومن هنا نُسمّي هذا النوع من الغيرة في علم النفس التربوي بـ "الإزاحة الوجدانية لمصدر الأمان العاطفي".

 

فقد كنتِ تشعرين أن أخاكِ مصدركِ الأول في الحنان، والاهتمام، والدعم، فلما بدأ يميل إلى شريكة حياته، بدا وكأنكِ تفقدين "نصفكِ العاطفي".

 

لكن الحقيقة –يا غالية– أن الحب لا ينقص حين يُقسَّم، بل يتجدد ويتوسع. فالمحبة يا ابنتي رزقٌ، والله يقسّمه كما يشاء، دون أن يُنقص من أحد.

 

ثالثًا: حبيبتي، عليك أن تفهمي أنكِ الآن تمرين بحالة نفسية تُشبه ما يُسمى في علم النفس بـ"Emotional Transition Shock"، وهي صدمة وجدانية انتقالية، تحدث عند تغير دور أحد أفراد الأسرة، مثل الزواج أو السفر أو البُعد المفاجئ.. ومن أبرز أعراضها:

 

- شعور بالغُربة داخل البيت.

 

- انخفاض تقدير الذات (Low Self-esteem).

 

- تقلب المزاج والانفعالات (Emotional Lability).

 

- الإحساس بالفراغ العاطفي.

 

وهذه أعراض مؤقتة، لكنها تحتاج إلى احتواء ومعالجة حتى لا تتحول إلى حالة مزمنة من القلق أو الاكتئاب.

 

رابعًا: إليكِ ابنتي الغالية هذه الخطوات العملية، والتي أتمنى أن تتبعيها لتجاوز هذه المرحلة:

 

1- أعيدي تعريف علاقتكِ بأخيكِ..

 

فلا بد أن نعترف بسنة الحياة وسمة الواقع من حولنا في التغيير، فدوام الحال من المحال.. وأنتِ الآن لم تعودي "الصديقة الأولى" له فقط، بل أصبحتِ "أخته الناضجة"، التي تسانده، وتفرح لسعادته، وتدعو له ببيتٍ مستقر. فالحب الناضج هو الذي يسمح للمحبوب بالرحيل ليبني حياته، دون أن نشعر أننا خسرناه.

 

2- يجب أن تقبلي مشاعركِ، ثم ارتقي بها..

 

فلا تقمعي غيرتكِ، بل اعترفي بها لنفسكِ، ثم اسأليها: ماذا ينقصني الآن؟ وابدئي في ملء حياتكِ بأهدافكِ أنتِ، لا فقط التي ترتبط بوجوده في حياتك.

 

3- وجّهي الغيرة إلى غيرة إيجابية..

 

بمعنى أن تجعلي غيرتكِ دافعًا لأن تُكملي بناء ذاتكِ، وأن تبدئي في التخطيط لعلاقاتكِ، ونجاحكِ، وهواياتكِ، حتى لا تظلّي دائرة في فلك أخيكِ وحده، فتربطي حياتك بحياته.

 

4- عودي نفسك أن تتواصلي مع خطيبته بأدب ووعي..

 

فلا تجعليها خصمًا وهميًّا، بل انظري لها كأنها أمانة في يد أخيكِ، من حقها أن تجد مكانًا في قلوب من حوله. واحتسبي الأجر في كل كلمة طيبة توجهينها لها؛ فالله لا يضيع أجر المحسنين، والكلمة الطيبة صدقة.

 

اطلبي دعمًا نفسيًّا إن احتجتِ لو طال أمد الحزن، أو بدأتِ تفقدين شغفكِ بالحياة، وقتها لا تترددي في طلب دعم من مختص نفسي تربوي (Psychological Support for Emotional Adjustment).

 

وأخيرًا، يا ابنتي الجميلة، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ﴾، وربكِ يعلم كم تحبين، ويعلم ضعفكِ، ودمعتكِ، وتأملكِ له، فادعي الله دائمًا لقلبك أن يستكين ويحب الخير لأحبته.. ولعلّ هذه التجربة تُخرج منكِ ذاتًا أقوى، أصفى، وأرقى.

 

* همسة أخيرة لابنتي الحبيبة:

 

لا تنسي أن أجمل العلاقات في الدنيا، هي التي تبقى بعد تحول شكلها.. فحبكِ لأخيكِ يجب ألا ينتهي، بل فقط يتحول من التعلق إلى الدعاء، ومن التملك إلى الدعم، ومن المركز إلى الحافة حيث تنيرين له الطريق للخير.

 

أسأل الله تعالي لك الخير والطمأنينة، والزوج الصالح المحب الذي يكون لك الزوج والأهل والسكن والسند.

الرابط المختصر :