Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 85
  • رقم الاستشارة : 1959
14/05/2025

أنا أم لبنت عندها ٢٩ سنة، والله يا دكتورة قلبي واجعني عليها ومش عارفة أعمل إيه!

بنتي جميلة وأخلاقها عالية، ومتربية تربية محترمة، ومتعلمة تعليم جامعي كويس، ودايمًا بشهادة الناس فيها إنها مؤدبة وراقية، ومفيش ملاحظة عليها أبدًا. لكن المشكلة إنها منطوية جدًا، مش بتحب تخرج، ولا ليها صداقات كتير، ودايمًا تقول إنها مرتاحة في بيتها ومعايا.

كل ما أحاول أشجعها تنفتح على الحياة أو تشارك في مناسبات اجتماعية، ترد عليّ إنها مش بتحب الزحمة، وإن كل واحدة وليها طبع.

المشكلة الأكبر إن مفيش حد بييجي يخطبها! لا قرّيب ولا غريب، مع إنها فعلاً تستاهل، وأنا والله مش ببالغ.

أنا مش عارفة هل المشكلة فينا؟ ولا في الزمن؟ ولا في شخصيتها؟ هل الإنطوائية دي سبب؟

أنا بدأت أقلق إن الفرص بتعديها، وهي مش حاسة، وكل ما أفتح معاها الموضوع تزعل وتقفل، وتقول: (النصيب لسه مجاش، ما تضغطيش عليّ).

أنا كأم مشكلتي إني حاسة إنها طافية... مش مبسوطة، ومش بتسعى لأي حاجة.

أنا مش عايزاها تتجوز وخلاص، لكن نفسي أشوفها فرحانة، حاسة بقيمتها، عايشة حياتها، ليها شريك وسند زي باقي البنات.. يا ترى أتصرف إزاي؟ وهل ده طبيعي؟"

الإجابة 14/05/2025

مرحبًا بكِ يا أمّ القلب الحنون،

 

أشعر تمامًا بما تحملينه من قلق وألم، وأحيّي صدقكِ وحرصكِ على مصلحة ابنتكِ، وهذا يدلّ على قلبٍ أمومي نابض بالرحمة، تتمنّى لابنتها الفرح والاستقرار، وهذا من أصدق صور الأمومة.

 

أول ما أودّ أن أبدأ به هو تذكيرك بقول الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾، فما يبدو تأخرًا من زاويتنا قد يكون ترتيبًا إلهيًّا لحكمة لا نراها بعد.

 

أما عن ابنتكِ، فدعيني أتناول الأمر من جوانبه النفسية والتربوية:

 

أولاً: الانطواء أو الانغلاق الاجتماعي..

 

انغلاق ابنتكِ على نفسها، وعدم حبها للاختلاط، قد يُشير إلى نمط شخصية يُعرف في علم النفس بالـ"الشخصية الانطوائية" أو (Introverted Personality)، وهو ليس مرضًا، بل نمط نفسي له سماته الخاصة، مثل:

 

- حبّ العزلة الهادئة،

 

- تفضيل العلاقات المحدودة،

 

- الميل للتأمل والخصوصية،

 

- عدم الارتياح في البيئات الاجتماعية الكبيرة.

 

وهذا النمط ليس عيبًا، بل له نقاط قوة كبيرة؛ كالتفكير العميق، والاتزان، والقدرة على الإبداع الداخلي. لكنه قد يُصبح تحديًا إذا تحوّل إلى عزلة اجتماعية مفرطة أو تجنب للمثيرات الحياتية، وهنا قد يُعيق النمو النفسي والاجتماعي، وخصوصًا في محطات مثل الزواج والعمل.

 

ثانيًا: من المهم أن نُدرك أن "الزواج ليس مقياسًا لنجاح المرأة"، بل هو أحد المسارات التي قد تسلكها في حياتها، وأحيانًا قد تتأخر الخطوة لا لعيب في الفتاة، بل لأن النصيب – الذي بيد الله وحده – لم يأتِ بعد.

 

وقد قال رسول الله ﷺ: «واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك». لكن في الوقت نفسه، نُدرك كأمهات أهمية أن ترى الأم ابنتها في بيت زوجها، سعيدة ومطمئنة، وهذا شعور نبيل.

 

ثالثًا: وعن سؤالك: هل الانطواء سبب مباشر في غياب الخُطّاب أو (العرسان)؟

 

ليس دائمًا، لكن في كثير من الأحيان، "نقص الظهور الاجتماعي" يؤثر على فرص التعرّف على الفتاة، خاصة في مجتمعات يكون فيها التزويج قائمًا على الدوائر الاجتماعية والتزكيات العائلية.

 

كذلك بعض الشباب، يخشون إلى حد ما أن يرتبطوا بفتاة ذات مشاعر جافة بعد الزواج، ويفضل الشباب أن تكون الفتاة ودودة بشوشة وغير منطوية، حتى ما إذا نظر إليها سرته عندما تصبح زوجته.

 

لكن تذكّري أن الله يفتح الأبواب من حيث لا نحتسب، وأن الانطواء لا يمنع النصيب، فقد يأتي من طريق غير متوقّع.

 

رابعًا: كيف تتعاملين معها؟

 

- "لا تُكثري من الضغط أو التلميح الموجع؛ لأن "الضغط يولّد العناد".

 

- اقتربي منها برفق، وركّزي على فتح أبواب الثقة والحوار، لا بوصفها "متأخرة عن الزواج"، بل بوصفها إنسانة تحتاج إلى رؤية ذاتها وقدراتها.

 

- حدّثيها عن ذاتها، عن مواهبها، عن الحياة، وشاركيها اهتماماتها، وادفعيها للتواجد في بيئات آمنة، كمجموعات ثقافية أو تطوّعية، دون فرضٍ أو إلحاح.

 

استمري في استثمار تعزيز الصورة الذاتية لديها؛ لأن بعض الانطوائيات يحملن داخلهن شعورًا غير معلن بأنهن "غير مرغوبات"، رغم أنهن على قدر عالٍ من الكفاءة.

 

خامسًا: وازني بين السعي المشروع والدعاء..

 

فادعي الله كثيرًا، واسأليه بقلب أمٍّ موقنة، كما قالت أم مريم: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾؛ فالدعاء يغيّر الأقدار، ويُليّن القلوب.

 

وفي الوقت نفسه، اسعي لتوسيع دائرة المعارف الاجتماعية بأدب وكرامة، سواء من خلال الأهل أو المحيطين، مع المحافظة على خصوصية ابنتكِ وكرامتها.

 

سادسًا: أما إذا لاحظتِ على ابنتكِ أعراضًا مثل:

 

- الحزن المتكرر دون سبب واضح،

 

- انسحاب من كل أشكال التفاعل بشكل قاتم،

 

- انخفاض في تقدير الذات،

 

- أو نوبات قلق ورفض لأي حديث عن الزواج،

 

فقد يكون من المناسب عرضها على أخصائي نفسي أسري (Family Therapist)، ليس لوجود "مرض"، بل لمساعدتها على تعزيز رؤيتها لذاتها، وفهم ما تعيشه.

 

* همسة أخيرة لطمأنة قلبك:

 

أطمئنكِ، يا أختي الغالية، أنّ الله يدبّر لها الخير، لكن دوركِ الآن هو أن تكوني الحضن الهادئ والمُلهم، لا المُلحّ والضاغط.

 

ابنتكِ تحتاج إلى من يُشعرها بأنها كافية بذاتها، وأن الزواج سيزيدها نورًا لا أنه شرط لاكتمالها.

 

كوني لها ظلًّا ناعمًا، لا يدًا تدفعها قبل أوانها.

 

والله يكتب لكِ السكينة، ولها السعادة والطمأنينة، ويجعل لها من أمرها رشدًا، ويرزقها الزوج الصالح.

الرابط المختصر :