الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
113 - رقم الاستشارة : 1371
19/03/2025
مشكلتي كبيرة وأشعر أنها بلا حل، إذ إن والدتي تعاملني بأسوأ معاملة، فهي تفرّق بيني وبين أخي الوحيد تفرقة واضحة؛ إذ تغدق عليه بالحنان وتتفهم انفعالاته، حتى وإن كان غاضبًا أو منتقدًا، بينما لا تتقبل مني أي اختلاف في الرأي، بل تنهاني عن النقاش وتشتمُني بمجرد أن أعبّر عن وجهة نظري.
وقد زادت معاناتي بعد انفصالي عن زوجي، حيث لم يكن يتحمل أي مسؤولية، فضلًا عن المشكلات العديدة التي نشأت بيننا، ومنها اعتماده الكبير على والدته في كل شيء. وبدلًا من أن أجد في والدتي السند والدعم العاطفي بعد هذه التجربة الصعبة، وجدتها تتعامل معي بقسوة شديدة، فلا تأبه لحزني، ولا تتأثر حتى إن رأتني أبكي، بينما تبدي اهتمامًا بالغًا بأي حزن عابر يصيب أخي، فتواسيه بكلمات مليئة بالحنان والعطف، كأن تقول له: "يا حبيبي، يا قلبي، ربنا يعوضك خيرًا"، بينما لا أجد منها كلمة طيبة تخفف عني.
بل إنني أشعر أحيانًا وكأنها ليست والدتي، بل زوجة أبي، فهي عابسة في وجهي طوال الوقت، وحين يأتي أخي تنفرج أساريرها، فتضحك وتمزح معه بكل ود. وإن حدثت أي مشكلة في المنزل، تسعى جاهدة لتجنب إزعاجه، بينما لا تبالي بمشاعري، بل تقسو عليّ باللوم والتوبيخ.
لقد تراكمت المواقف التي جعلتني أشعر بعدم الإنصاف، حتى صار الحزن يتملكني، وأحيانًا أشعر أنني أكاد أكرهها من شدة ما عانيته من قسوتها وتحيزها لأخي. إنني مرهقة نفسيًّا من هذه العلاقة أكثر مما أرهقني طلاقي، حتى صرت أشعر بالضيق الشديد من كل شيء.
ابنتي العزيزة،
أشعر تمامًا بمدى الألم النفسي الذي تعانينه بسبب المعاملة التي تلقينها من والدتك، وأتفهم مدى حاجتك إلى الدعم العاطفي، خاصة بعد تجربة الطلاق التي مررتِ بها.
إن الألم النفسي الناتج عن الشعور بالتمييز العائلي يُعدّ من أشد التجارب قسوة على الإنسان؛ لأنه يأتي من أقرب الأشخاص إليه، وهو ما يُعرف "بالإيذاء العاطفي" (Emotional Abuse)، حيث يشعر الشخص بالرفض العاطفي أو التمييز السلبي داخل الأسرة.
ولكن، دعيني أطرح عليكِ بعض الأفكار التي قد تساعدك على التعامل مع هذا الوضع بحكمة ووعي:
أولًا: قد يكون سلوك والدتك ناتجًا عن أسباب نفسية أو اجتماعية تراكمت عبر الزمن، فربما تربّت في بيئة كانت تُفضِّل الذكور على الإناث، أو أنها تعاني من ضغوط نفسية تجعلها غير قادرة على التعبير عن حبها لكِ بنفس الطريقة التي تفعلها مع أخيكِ. قد يكون لديها اعتقاد داخلي –خاطئ بالطبع– بأنكِ أقوى وأكثر تحمّلًا، فتظن أنكِ لا تحتاجين إلى الحنان بنفس القدر الذي يحتاجه أخوكِ.
وهنا يأتي مفهوم "التحيز اللاواعي" أو الـ(Unconscious Bias)، وهو ميل الشخص إلى التصرف بناءً على موروثات ثقافية واجتماعية دون إدراك منه. لذا، ربما تكون والدتكِ غير واعية تمامًا بالألم الذي تسببه لكِ، مما يجعل من الضروري إيجاد طريقة للتواصل معها دون صدام.
ثانيًا: وهنا ولأنه أمر واقع في أسرتكم، فما عليك غير التعامل مع مشاعر الألم بطريقة صحيحة وصحية بالنسبة لك، كالآتي:
1- لا تجعلي مشاعركِ تُسجن داخلكِ.. بمعنى أوضح: لا تكتمي الحزن داخلكِ، بل عبّري عنه بأسلوب هادئ ومتزن، بعيدًا عن الغضب والانفعال.
قال النبي ﷺ: "ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب"؛ فالهدوء يمنحكِ قوة في الموقف، بينما الغضب قد يزيد التوتر بينكِ وبين والدتكِ.
2- لا بد من التوازن لديكِ في مشاعر الحب والكره
من الطبيعي أن تشعري بالضيق أو حتى الغضب من والدتكِ، لكن لا تدعي هذا الغضب يتحول إلى كراهية دائمة؛ لأن الكراهية تحرق قلبكِ قبل أي شيء آخر.
قال الإمام الشافعي:
ولرُبَّ نازلةٍ يضيق بها الفتى** ذرعًا وعندَ اللهِ منها المخرجُ
ثالثًا: نأتي لأهم ما في الموضوع، ألا وهو طرح حلول عملية للتعامل مع والدتكِ:
- يجب تحديد وقت مناسب للحوار معها.. حاولي التحدث معها بهدوء، في وقت تكون فيه حالتها المزاجية جيدة، وأخبريها بطريقة غير تصادمية أنكِ تشعرين بالحزن بسبب الفرق في المعاملة، وليس من باب العتاب أو اللوم، بل من باب رغبتكِ في التقرب منها.
- استخدمي معها أسلوب "التوكيد الإيجابي" (Positive Affirmation)
مثلا: بدلاً من قول: "لماذا تعاملين أخي أفضل مني؟"، جربي قول: "أنا أحتاج إلى حنانكِ ودعمكِ كما تفعلين مع أخي، فهذا يسعدني ويقويني."
-عدم البحث عن التقدير العاطفي منها فقط
أحيانًا، يكون الحل في تعويض هذا النقص العاطفي من خلال بناء علاقات دعم أخرى، سواء مع الأصدقاء، أو الأقارب، (الموثوق بهم) أو حتى من خلال ممارسة هوايات تحبّينها وتشعركِ بالراحة.
- مهم جدا أن تعيدى التفكير مع نفسك بهدوء في كل موقف، فربما أفعالك أو ردود أفعالك مع والدتك تغضبها منك حقًّا، وهي تجد أن معاملة أخيك لها هي الأفضل وعكس ما يصدر منك تجاهها تماما..
بل وربما هى ترى أنك السبب في انفصالك عن زوجك بسبب نفس سوء المعاملة منك، ولذلك هي تكره هذا الأسلوب، وخاصة إن كانت تحذرك منه، فحاولى جديًّا أن تغيري من معاملتك معها ومع المحيطين بك، وأن تفعلي ما يريحها، وبالتأكيد أنت الوحيدة التي تعرفين ما يرضيها وما يكدر صفوها منك..
كل هذا ولا بد أن تكوني على يقين أنك ابنتها التي لا تتمنى في الدنيا غير سعادتها حتى وإن خانها التعبير أو أخطأت التصرف.
- يجب أن تدركي أنك بلا شك في ابتلاء، وعليك حبيبتى بالاستعانة بالله والصبر على هذا الابتلاء، مع وضع مكانة الأم العظيمة في الاعتبار.
وتذكّري أن الابتلاء في الحياة جزء من سنة الله في الكون، وقد يكون هذا البلاء سببًا في تقوية شخصيتكِ وزيادة صبركِ وحكمتكِ. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، مع الدعاء دائما لله تعالى أن يسخر لك قلب أمك، وكذلك قلوب المحيطين.
كما أن برّ الوالدين مطلوب حتى مع شعور الإنسان بالظلم منهم؛ لأن هذا البرّ ليس مرتبطًا بمعاملتهم لنا، بل هو عبادة لله تعالى.
وقد قال رجل للنبي ﷺ: "يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال له النبي ﷺ: إن كنت كما قلت، فكأنما تسفّهم الملَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".
* همسة أخيرة إليك حبيبتي:
ابنتي، أنتِ أقوى مما تظنين، فلا تجعلي هذا الألم يكسركِ، بل اجعليه دافعًا لكِ لتصبحي أكثر قوة ووعيًا. لا تدعي احتياجكِ لحنان والدتكِ يمنعكِ من حب نفسكِ، وتقدير ذاتكِ، والسعي إلى حياة أفضل.
تحلّي بالصبر، واعملي على تطوير نفسكِ، وابحثي عن السعادة في جوانب أخرى من حياتكِ، وسيجعل الله لكِ مخرجًا بإذنه ومشيئته.