Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 27
  • رقم الاستشارة : 1992
18/05/2025

أنا أم لطالب في الثانوية العامة، ووالله تعبت نفسياً وعصبياً من اللي بيحصل معاه!

ابني مش بيقرب من الكتب خالص، وكل يوم أقوله ذاكر، وأفكره إن دي سنة مصيرية، يرد عليّ بكل برود: (هشوف)، ويفضل ماسك الموبايل بالساعات، أو رايح جاي بيني وبين أبوه يتخانق ويستفز فينا.

أنا وأبوه بقينا طول اليوم مشدودين معاه، البيت بقى فيه توتر وخناقات على طول، وأنا مش عارفة أتعامل معاه إزاي! ساعات أزعق، وساعات أترجاه، وساعات أبكي.. وهو ولا على باله!

حاسة إني هموت من القهر، ومش عارفة أوصله أو أحفزه. هو مش غبي، بالعكس، بس رافض يذاكر ودمه تقيل في التعامل، وردوده مستفزة. أعمل إيه؟ أنا خلاص تعبت، ومرعوبة ان الامتحان قرب!

الإجابة 18/05/2025

أختي الكريمة، أقدّر جيدًا ما تمرين به من ضيق نفسي وضغط عاطفي شديد، وأتفهم تمامًا شعوركِ بالعجز والحزن، بل وربما الإحباط من ردود فعل ابنك المستفزّة.

 

لكن دعيني أطمئنك أن ما تمرّين به ليس نادرًا ولا مستحيل الحلّ، بل هو عرضٌ لحالةٍ شائعة بين كثير من الأبناء في هذه المرحلة الحساسة.

 

ومن الجيد أن أوضح لك سلوك ابنك لتفهميه قبل أن تحكمي عليه:

 

- ابنك في مرحلة Late Adolescence، أي "مرحلة المراهقة المتأخرة"، وهي مرحلة تتسم بالرغبة في إثبات الذات، والتمرد على التوجيهات المباشرة، خصوصًا حين تأتي بنبرة أمر أو استدعاء للذنب، فيحاول عقله اللاواعي أن يحافظ على مساحته النفسية بما يسمى بـ Psychological Reactance أو "المقاومة النفسية"، فيرفض الاستجابة حتى لو كان داخله مقتنعًا.

 

ربما لا تكون مشكلته الحقيقية في الدراسة نفسها، بل في حالة داخلية من ضعف الدافعية الذاتية، أو شعوره بالضغط النفسي المفرط، وربما أيضًا لديه قلق داخلي، لكنه يخفيه وراء ستار من اللامبالاة والاستفزاز.

 

ولا بد أن تعي أن التوتر المنزلي لا يُنتج تركيزًا.. فالبيت حين يتحول إلى ساحة قلق وتوتر دائم، يختنق فيها الابن ولا يشعر بالأمان النفسي، فيلجأ إما للهروب (بالموبايل)، أو للمواجهة (بالعناد والردود المستفزة). وعلينا ألا ننسى أنّ "التعلم لا يزدهر إلا في بيئة يشعر فيها الطفل بالأمان".

 

وقد قال النبي ﷺ: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه".. كما أن الله تعالي أمرنا بكظم الغيظ، لقوله تعالي: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ... ﴾ فكم نحتاج إلى هذا الرفق في لحظات الغضب والعجز!

 

* وهنا أقدم إليكِ عزيزتي الأم هذه الخطوات العملية لكيفية التعامل التربوي السليم:

 

1- افتحي معه حوارًا آمنًا لا يحمل تهديدًا، بل يحمل تفهمًا، وابدئيه مثلًا بقولك: "أنا مش حابة أهاجمك ولا أضغط عليك، أنا بس عايزة أفهمك وأسندك". هذا يُنشئ ما نسميه في التربية بـ Secure Attachment Dialogue أي "الحوار القائم على التعلق الآمن".

 

2- حاولي أن تتعرفي منه على خريطته النفسية: ما الذي يخيفه؟ ما الذي يشعره بالعجز؟ من يقارنه بنفسه؟ من يستهين به؟

 

فقد تكتشفين أن جزءًا كبيرًا من المشكلة سببه شعوره بعدم التقدير أو ضغط المقارنة، وهو ما يولّد Learned Helplessness أو (العجز المكتسب).

 

3- من الصحي أن تتفقوا على خطة لا على أوامر.. اجلسوا كفريق، هو وأنت وأبوه، وابدؤوا بصياغة خطة دراسة تعاونية، اجعلوه يختار أوقاتًا مفضلّة له، واشرحوا له أنكم شركاء في دعمه، لا سلاسل في عنقه.

 

4- يجب أن تقلّلوا التهديد، بل ازرعوا الطمأنينة بداخله.. قولي له، من القلب: "مستقبلك مش محصور في سنة، ولا هنحبك أكتر لو جبت ٩٨٪، ومش هنكرهك لو جبت ٧٠٪، إحنا بنحبك لأنك أنت، مش لأنك نتيجة". هذا يعزز لديه القبول غير المشروط، وهو من أهم مفاتيح بناء الذات.

 

5- من المهم أن تراقبي سلوكك وردود فعلك أنتِ وأبوه.. فقدوة البيت تؤثر أضعاف الكلمات.. فلو رأى فيكما صبرًا واحتواءً وهدوءًا، انعكس ذلك عليه تدريجيًّا.

 

* وأخيرًا، أختي الحبيبة عليك أن تستعيني بالله ولا تعجزي..

 

قال الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ وصبر الأم على ابنها، من أعظم أنواع الجهاد التربوي، فكل لحظة ضيق تمرّين بها، مأجورةٌ عليها بإذن الله. فلا تستعجلي الثمار، فإن ما تُغرس جذوره في الرفق، لا بدّ أن يُزهِر يومًا ما.

 

وفي النهاية ليس عليك غير النصح والإرشاد والدعاء بعد الأخذ بالأسباب، ثم سلمي الأمر كله لله تعالي وثقي في جبره لكم.

 

* همسة أخيرة:

 

تعاملي مع هذه الأزمة كفرصة لبناء علاقة أكثر عمقًا مع ابنك، لا كمعركة حول الدرجات؛ فالدرجات تمضي، لكن العلاقة تبقى، وبناء إنسانٍ سليم النفس، أهم من أي شهادة ومؤهل.

 

حبيبتي، أنا هنا دومًا إن احتجتِ المتابعة خطوة بخطوة، وأدعو الله أن يُقر عينكِ به، وأن يجعله من عباده الصالحين الناجحين.

الرابط المختصر :