الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
86 - رقم الاستشارة : 1951
13/05/2025
مساء الخير يا دكتورة،
أنا أم لبنت عندها ١٦ سنة، في أولى ثانوي، وبصراحة محتاجة رأي حضرتك في موضوع محيرني ومش عارفة أتصرف فيه إزاي.
بنتي بقالها فترة بتطلب مني يكون ليها موبايل خاص بيها، وتحديدًا موبايل حديث زي اللي مع صحابها في المدرسة. كل شوية تقولي: (كل البنات معاهم، وأنا الوحيدة اللي ماما مش بتثق فيها!)، وده بيضايقني جدًّا، بس والله يا دكتورة مش موضوع ثقة، أنا خايفة عليها، وقلبي مش مطمن.
أنا شايفة إن الموبايلات دي بوابة لحاجات كتير غلط، خصوصًا مع السوشيال ميديا والمواقع اللي ممكن تدخل عليها. بخاف من إنها تتعرف على ناس غلط، أو تتأثر بحاجة مش مناسبة لسِنها، أو حتى تتعود تقعد بالساعات عليه وتبعد عن المذاكرة والدين. وكمان، بقيت بشوف بنات بيتغيروا بعد ما بدأوا يمسكوا الموبايل بحرية.
هي بنت مؤدبة وبتفهم، بس ساعات بتحاول تقنعني إني متخلفة أو بخنقها، وبتقولي: (أنا كبرت، وكل البنات عندهم، إنتِ بس اللي مش عايزة تفهمي!).
وأنا بصراحة بقيت محتارة، هل أنا ببالغ في خوفي؟ ولا أنا عندي حق؟ وهل المفروض أوافق وأديها الموبايل بس بقيود معينة؟ ولا أستمر على موقفي؟
أهلاً بكِ أيتها الأم الكريمة،
تحية طيبة تعبق بالاحترام والتقدير لمشاعركِ كأم تخاف على ابنتها وتسعى لحمايتها من أي ضرر، وهذا في حد ذاته دليل على وعيكِ ومسؤوليتكِ، فجزاكِ الله خير الجزاء على حرصكِ.
لقد لمست في رسالتكِ مشاعر متضاربة بين خوفكِ الغريزي على ابنتكِ، وبين إدراككِ أنها كبرت وتطلب حقًّا أصبح شائعًا بين أقرانها.
وهذه الحيرة التي تعيشينها حقيقية ومشروعة، بل وتمثل معضلة تربوية يعيشها كثير من الآباء في عصرنا الرقمي.
اسمحي لي أن أتناول الأمر معكِ بتروٍّ ووضوح:
أولًا: من منظور نفسي تربوي:
في مرحلة المراهقة، تبدأ الفتاة في البحث عن الاستقلالية وتكوين الهوية الذاتية وتعدّ الأجهزة الذكية ومواقع التواصل جزءًا من عالمها، ومن أدوات هذا التكوين.
منعها التام دون حوار أو مشاركة يُشعرها بأنها لا تُحترم أو لا يُوثق بها، مما يؤدي إلى ما يُعرف بـ "التمرد السلبي" (Passive Rebellion) أو "الانسحاب العاطفي" (Emotional Withdrawal)، وقد يبدأ بينها وبينكِ جدار من الصمت والرفض.
ثانيًا: من زاوية واقعية تربوية:
الواقع يشير إلى أن العالم الرقمي لم يعد رفاهية، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة المراهقين. فحجب الهاتف نهائيًّا قد لا يحميها كما تتصورين، بل قد يدفعها لاستخدام أجهزة صديقاتها دون علمك، مما يفقدكِ القدرة على التوجيه والمتابعة.
ولكن في المقابل، التساهل دون حدود يفتح أبوابًا للفتنة والضياع؛ فالحل التربوي السليم هو "التمكين المشروط" (Conditional Empowerment)، أي منْحها الهاتف لكن ضمن ضوابط متفق عليها.
ثالثًا: من منطلق الإيمان والحكمة:
نحن نؤمن بأن كل نعمة يمكن أن تكون نقمة إن أسيء استخدامها. وقد قال الله تعالى: {وقِفُوهُم إنَّهُم مسؤولون}، وأنتِ مسؤولة عنها، لكنها أيضًا تبدأ تحمّل مسؤولية أفعالها. وهذا يقتضي أن نُعلم أبناءنا فن المسؤولية الأخلاقية، لا مجرد فرض الحماية.
وقد ورد عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: "ربُّوا أبناءكم على غير ما ربيتم عليه، فإنهم خُلقوا لزمانٍ غير زمانكم"، وهذا يذكّرنا بأن الزمان تغير، ويجب أن تواكبي ذلك بالتوازن، لا بالمنع المطلق.
رابعًا: خطوات عملية:
غاليتي، وهذه خطوات عملية -إن شاء الله- تطمئنك على ابنتك، إن قررتم أن تعطوها هاتفًا خاصًّا وكانت ظروفكم المادية تسمح بذلك:
1- افتحي حوارًا هادئًا معها، عبّري فيه عن مخاوفك بصدق دون اتهام، واسمعي وجهة نظرها بإنصاف.
2- اتفقا معًا على شروط استخدام الهاتف، مثل:
- عدد ساعات محددة يوميًّا.
- تطبيقات معينة فقط، وتحت إشرافكِ.
- تعهُّد بالاستئذان قبل تحميل أي تطبيق جديد.
- الرقابة ليست تجسسًا، بل حماية.
3- بطريقة لطيفة وقّعي معها عقدًا تربويًّا بسيطًا، يشمل الحقوق والواجبات، وتحتفظ كل منكما بنسخة منه.
4- اجعلي منح الهاتف لها مرهونًا بتحقيق التزام معين، كتحقيق معدل دراسي جيد، أو حفظ جزء من القرآن الكريم، أو الانضباط في المهام اليومية، فذلك يعزز لديها مفهوم "الاستحقاق" (Merit-Based Privilege)، وأنها تستحق الشيء كمكافأة بجدارة.
* همسة أخيرة:
كوني ملاذها لا خصمها.
اجعلي من نفسك مصدر أمان تلجأ إليه لا سلطة تخشى مواجهتها؛ فالثقة إذا زُرعت مع المتابعة الحكيمة أثمرت بنات صالحات مستقيمات.
وفقكِ الله وسدد خطاكِ، ورزقكِ بر ابنتكِ، وأقر عينكِ بها في الدنيا والآخرة.