Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 94
  • رقم الاستشارة : 1673
20/04/2025

ابنتي في الإعدادية وتريد الذهاب في رحلة مع المدرسة وأنا أرفض منعا للخلطة وخوفا عليها كيف لي أن أقنعها وهل من دليل شرعي؟

الإجابة 20/04/2025

أخي الكريم،

 

بداية، أقدّر مشاعرك كأب حريص على ابنته، حنانكِ وخوفكِ دليل على يقظتكِ القلبية ووعيك بدورك التربوي، وهذا من أعظم ما يُشكر عليه الوالدان.

 

ومع ذلك، دعني أضع بين يديك رؤية نفسية وتربوية متكاملة، لعلها تعينك على اتخاذ قرار متوازن.

 

أولًا: هل هي رحلة يومية أم رحلة تمتد لأيام؟

 

فالفرق بين النوعين مهم جدًّا في الحُكم عليهما:

 

١- الرحلة اليومية المدرسية، التي تكون تحت إشراف الإدارة والمعلمات، ضمن برنامج تربوي وترفيهي، في أماكن عامة ومدروسة، تُعد من الوسائل التربوية المهمة لتنمية مهارات التواصل الاجتماعي (Social Communication Skills)، وتعزيز الاستقلالية، وبناء الهوية الذاتية، خاصة في مرحلة المراهقة، التي تعد من أهم مراحل النمو النفسي والاجتماعي.

 

٢- أما الرحلة التي تستلزم المبيت، فينبغي أن تُدرس بتمعّنٍ أكبر، ويُنظر في مستوى الإشراف، والضوابط الموضوعة، ومدى مناسبة الأعمار، ومحتوى البرنامج المقدم؛ فمثل هذه الرحلات قد تُشكّل فرصة تربوية عظيمة إن أُحسِن تنظيمها، لكنها قد تكون محل تردد إن غابت فيها الضوابط.

 

 

ثانيًا: بالنسبة للرأي الشرعي:

 

الرحلات التربوية والترفيهية للبنات ليست ممنوعة شرعًا في ذاتها، بل الممنوع هو الاختلاط المحرّم أو الخلل في الضوابط الشرعية.

 

فإن كانت الرحلة تحت إشراف النساء، ولم يكن فيها خلوة، وكانت تُحقق هدفًا تربويًّا أو علميًّا، فهي جائزة بل وقد تكون مستحبّة إن أُريد بها نفع ديني أو دنيوي. (هذا والله تعالى أعلى وأعلم).

 

فالتربية والتعليم مسؤولية ولي الأمر في هذه المرحلة، لكنها لا تعني المنع الدائم، بل المرافقة الحانية.

 

ثالثًا: بالنسبة لكيفية إقناع ابنتك:

 

في هذه المرحلة، لا بد من ممارسة ما يُعرف بـ "التفاوض التربوي" (Developmental Negotiation)، وهو أسلوب مبني على الحوار والتفاهم، لا على الفرض والمنع القاطع.

 

فالمراهقة تحتاج إلى الشعور بالثقة والأمان، لا إلى الاستشعار بأنها مُراقَبة أو محاصَرة. اشرح لها مخاوفك، واسألها عن تفاصيل الرحلة، وشاركها التفكير في الحلول.

 

إن كان السبب الخوف من "الخلطة"، فاطلب رؤية قائمة الأسماء المشرفة، ومن سيرافقها من الطالبات. وإن كان السبب الحذر العام، فأقترح أن تُرافق الرحلة معلمات تعرفونهم، أو تُشارك أنتِ كأب أو والدتها في التنظيم أو الحضور (إن كان مسموحًا).

 

رابعًا: أخي السائل.. إن نظرنا لهذا الأمر نظرة تربوية نفسية، فسوف نجد أن في هذه السن الحرجة، تكون الاحتياجات النفسية الأساسية لدى المراهقة هي:

 

- الحاجة إلى الشعور بالانتماء (Sense of Belonging).

 

- الحاجة إلى الاستقلال التدريجي.

 

- الحاجة إلى الاعتراف بها كشخص ناضج.

 

والحرمان المبالغ فيه من هذه الاحتياجات قد يؤدي إلى ما يسمى بـ "الممانعة السلوكية" (Behavioral Reactance)، أي الرفض والعناد كرد فعل طبيعي على القيود المشددة.

 

خامسًا: أَعلم أن التربية في عصرنا الحالي أمر غير هين، وأن التحديات كبيرة، وحتى إن حاولنا أن نربي أبناءنا وبناتنا على نهج أسلافنا في تربيتهم لنا فلن نستطيع، وقد قال الإمام عليّ رضي الله عنه وأرضاه: "ربوا أبناءكم على غير ما ربيتم عليه، فإنهم خُلقوا لزمانٍ غير زمانكم"؛ فهذا لا يعني التنازل عن القيم، بل حسن تنزيلها في واقعهم، بلُغة عصرية ووعي بالمتغيرات.

 

سادسًا: إليك عزيزي الأب مقترحًا عمليًّا، قد يساعدك في تجاوز الأمر:

 

- اجلس معها جلسة حوارية صادقة، فيها احتواء لا تخويف.

 

- افترض قبولك المبدئي للرحلة، ثم ضع شروطًا واضحة، وناقشها معها.

 

إن رأيتِ أن المدرسة منظَّمة والمسؤولات جديرات بالثقة، فاجعلها تجربة مراقَبة، تُقيم نتائجها بعدها.

 

وإن لم تطمئن كليًا، فاقترح عليها رحلة عائلية أو نشاطًا بديلًا، يشعرها بالعدل لا بالمنع.

 

* همسة أخيرة لأخي الأب القلق:

 

الثقة الممنوحة بحكمة، تصنع بناتٍ يثقن في أنفسهن وفي قيمهن، أكثر من ألف نصيحة نظرية. فاعط لابنتك الثقة طالما أسست لتربيتها بشكل سليم، ولا تضع نفسك ولا ابنتك في قلق دائم، بل احرص على الثقة الموجَّهة والمرافقة الواعية.

 

استودعها الله تعالى في كل ذهاب وإياب لها، ثم سلِّم الأمر كله له عز وجل.. فلن يصيبها إلا ما كتب الله لها في أي مكان، أسأل الله تعالى أن يكتب لها الخير الدائم، وأن يحفظها من كل سوء.

الرابط المختصر :