Consultation Image

الإستشارة 03/03/2025

مما لا شك فيه أن طبيعة رمضان أنه شهر الطاعة والعبادة، إلا أن البعض من أصحاب الأموال والتجارة يصرون على إنتاج المسلسلات والدراما التي تشغل الناس عن طاعة الله، وتضعف علاقتهم به عز وجل. وكأب، كيف أتعامل مع أبنائي وأمنعهم من الانشغال بهذه الأمور، رغم جاذبيتها وتأثيرها الطاغي عبر السوشيال ميديا والقنوات الفضائية؟ وكيف أوجههم إلى البدائل النافعة وأجذبهم لطاعة الله دون أن يشعروا بالإجبار أو التقييد؟

الإجابة 03/03/2025

أيها الأب الكريم، أخي الفاضل، بارك الله لك في أبنائك وجعلهم قرة عين لك في الدنيا والآخرة. ولا شك أن التربية في زمن الإعلام المفتوح والتقنيات الرقمية أصبحت أكثر تحديًا، خصوصًا في شهر رمضان، حيث تتزايد المغريات التي قد تصرف الأبناء عن الأجواء الإيمانية. لكن التعامل مع هذا الأمر يحتاج إلى مزيج من الفقه التربوي، والفهم الاجتماعي، والبدائل الإيجابية، بدلًا من الاقتصار على المنع المباشر الذي قد يكون غير مُجْدٍ.

 

وإليك التفاصيل التالية، التي تساعدك على القيام بما تريد وترجو إن شاء الله تعالى:

 

أولا: ترسيخ المعاني الإيمانية حول رمضان

 

قبل أن يبدأ الشهر الفضيل وببدايته، اجلس مع أبنائك في جلسة هادئة، وحدثهم عن عظمة رمضان وفضله، وبيّن لهم أن الله جعله فرصة للتغيير والتقرب إليه. استخدم القصص القرآنية والسيرة النبوية لإحياء المعاني الإيمانية في قلوبهم، مثل: قصة نزول القرآن في رمضان، وقصة تلاوة جبريل للقرآن مع النبي ﷺ، نماذج من اجتهاد الصحابة في العبادة في رمضان، شرح قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾.

 

ثانيًا: بناء الرقابة الذاتية بدلاً من المنع المباشر

 

اعلم -أخي الكريم- أنّ المنع الصارم وحده قد يدفع الأبناء للبحث عن هذه المحتويات خِفيةً، لذا فمن الأفضل بناء الرقابة الذاتية لديهم، وذلك من خلال:

 

- الحوار الهادئ: تحدث معهم عن الأضرار الروحية والعقلية لبعض المسلسلات، وما تسببه من تضييع للأوقات.

 

- وتحفيز الضمير الإيماني: اسألهم: هل هذه الأعمال تعيننا على تحقيق أهداف رمضان؟ وهل النبي ﷺ لو كان بيننا سيجلس لمشاهدتها؟

 

- والاستفادة من التجارب الشخصية: شاركهم كيف كنت تستثمر رمضان عندما كنت في سنّهم، وما أثر ذلك على حياتك....

 

ثالثًا: تقديم البدائل الجذابة والممتعة

 

فلا يكفي أن نطلب من الأبناء ترك المسلسلات، بل لا بد من توفير بدائل جذابة تملأ وقتهم، مثل: المسابقات العائلية الرمضانية: في القرآن، السيرة، الفقه، أو حتى في الشعر واللغة، برامج دينية شيقة: اجعل لهم قائمة ببرامج إسلامية ذات طابع قصصي جذاب، مسلسلات بديلة -وقد تم إنتاج عدد من المسلسلات المناسبة لكل الأعمار، وراجعها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشـريف- مثل: حبيب الله، خليل الله، كليم الله، يوسف الصديق، يونس، آدم، سليمان الحكيم، قصص القرآن، عجائب القصص،... وهكذا، وكذا يمكنك أن تشـركهم في الأنشطة الاجتماعية: مثل توزيع الصدقات، ومساعدة المحتاجين، وإعداد وجبات الإفطار للصائمين، والمشاريع الرمضانية: كتحفيظ جزء من القرآن، أو قراءة كتاب مفيد، أو كتابة خواطر رمضانية.

 

رابعًا: دور القدوة العملية

 

لا يغيب عن شريف علمك -أخي السائل- أنّ الأبناء يتأثرون بسلوك والديهم أكثر من كلامهم، فلو رأوك متابعًا للمسلسلات، فلن يقتنعوا بكلامك عن ضررها.... لذا:

 

1) اجعل لنفسك وردًا من القرآن يسمعونه منك.

 

2) صلِّ التراويح في البيت أحيانًا معهم، حتى يشعروا بجمال العبادة الجماعية.

 

3) قلل أنت شخصيًّا من استخدام الهاتف ووسائل التواصل الاجتماعي.

 

4) وأنصحك بأن تتابع عبر مجلة المجتمع مقالات التربية الوالدية وكيف كان النبي (صلى الله عليه وسلّم) يؤسس الجيل الناشئ، وكيف كان يشغلهم بطاعة الله -بحُبّ- عن المُلهيات والمشوشات..

 

خامسًا: ضبط وقت الشاشة وتنظيم الاستخدام

 

إِذ ليس من الواقعي قطع الإنترنت عن الأبناء تمامًا، ولكن يمكن ضبط أوقات الاستخدام:

 

1) تخصيص وقت محدد للشاشات، بحيث لا يطغى على العبادات.

 

2) استخدام تطبيقات لضبط المحتوى وحجب المواقع غير المناسبة.

 

3) تشجيعهم على الاستفادة من الإنترنت في مشاهدة مقاطع علمية ودينية هادفة.

 

سادسًا: الترفيه الحلال جزء من رمضان

 

الإسلام لا يحرم الترفيه، لكنه يوجهه نحو ما هو نافع. لذا يمكن توفير بعض وسائل الترفيه الهادفة، مثل:

 

1) أفلام وثائقية عن تاريخ الإسلام أو حياة الصحابة.

 

2) ألعاب فكرية ومسابقات ثقافية عائلية.

 

3) رحلات قصيرة لزيارة الأهل أو أماكن ذات طابع ديني وتاريخي.

 

وأخيــًرا: اجعل رمضان تجربة روحية مميزة لهم:

 

فرمضان فرصة ذهبية لتربية الأبناء على حب الله والعبادة، وليس مجرد شهر قيود ومنع. اجعل الجو الأسري دافئًا ومليئًا بالأنشطة الهادفة، حتى يرتبط في أذهانهم بمعاني الرحمة، والأنس بالله، والعمل الصالح، ولا يكون مجرد صراع مع المغريات، وأسأل الله أن يجعل أولادنا وأولادكم جميعا من الصالحين المصلحين، وأن يعينك على حسن تربيتهم، ويرزقك بِرَّهم في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.