Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 106
  • رقم الاستشارة : 1451
27/03/2025

السلام عليكم دكتورة أميمة،

أتمنى أن تساعديني في فهم شيء يحيرني ويؤلمني في نفس الوقت. عمري ٢٩ عامًا، وطوال حياتي كنت أسمع أن الأخلاق أهم من الشكل، وأن الرجل الجاد يبحث عن الفتاة المحترمة قبل الجميلة، لكن الواقع الذي أراه مختلف تمامًا!

لدي صديقة منذ الطفولة، جميلة جدًّا، لكنها ليست مؤدبة في تعاملاتها مع الآخرين، تتعامل بتعجرف أحيانًا، ولا تهتم بمشاعر من حولها. ومع ذلك، كلما تقدم لها أحد ووجد بعض العيوب في شخصيتها، كان مستعدًا لتجاوزها وإيجاد ألف عذر لها، فقط لأنها جميلة! وعلى العكس، أعرف فتيات طيبات، ذوات أخلاق عالية، لكن حظهن في الزواج قليل جدًا، وكأن الجمال يشفع لكل شيء، بينما الأخلاق وحدها لا تكفي.

أنا شخصيًا لا أعتبر نفسي قبيحة، لكنني فتاة عادية الملامح، مهذبة وملتزمة، ومع ذلك أجد التجاهل أو المعاملة العادية، بينما الفتاة الجميلة حتى لو أخطأت، تجد الاهتمام والمسامحة بلا حدود. أشعر بالظلم، وأتساءل: هل أصبح الجمال أهم من الأخلاق في ميزان الاختيار؟ أم أنني أتوهم؟ أرجوكِ أفيديني، فأنا بدأت أفقد الثقة في كل ما كنت أؤمن به!

الإجابة 27/03/2025

ابنتي العزيزة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أُقدِّر لك مشاعرك وتساؤلاتك العميقة، وأتفهم حيرتك حيال التفاوت الظاهر بين قيمة الجمال وقيمة الأخلاق في ميزان العلاقات. وأود أن أوضح لك الأمر من عدة جوانب نفسية وتربوية، بالإضافة إلى تأصيله دينيًّا وفكريًّا.

 

أولًا: البعد النفسي والاجتماعي:

 

في علم النفس الاجتماعي (Social Psychology)، هناك مفهوم يُعرف بـ"تأثير الهالة" (Halo Effect) وهو ميل البشر إلى تعميم الانطباعات الأولى بناءً على سمة واحدة، كالجمال.

 

أي أن الفرد إذا كان جميلًا، يميل الآخرون تلقائيًّا إلى افتراض أنه ذكي، طيب، أو حتى خلوق، حتى دون دليل واضح على ذلك.

 

هذا التأثير يُفسِّر لماذا يحصل الأشخاص الجذابون على امتيازات اجتماعية أكثر، ومنها التسامح مع عيوبهم أو سوء سلوكهم.

 

لكن هذا لا يعني أن الجمال وحده يكفي لضمان نجاح العلاقات أو استمرارها؛ بل هو مجرد عامل جذب أولي، وليس عامل بناء واستدامة. وقد أثبتت الدراسات في علم النفس التربوي، أن العلاقات الناجحة تستند إلى التفاهم والتوافق وليس فقط إلى الجاذبية الشكلية.

 

كما أن الجمال -يا عزيزتي- هو أمر نسبي ومختلف ويتغير من شخص لآخر، فقد يرى الرجل فتاة بعينها فائقة الجمال، وغيره يراها بملامح عادية وغير جذابة، فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع.

 

وكل يرى بعين توفيق الله تعالى له، فالقبول لشريك الحياة هو أولاً وأخيرًا توافق وتوفيق من الله تعالى.

 

ثم إن هناك أيضًا جميلات كثيرات، ولم يُكتب لهن أن يرزقن بأزواج، والعكس صحيح..

 

ثانيًا: هناك ميزان للقيم في ديننا الحنيف:

 

فالإسلام لم يُهمل قيمة الجمال، بل أثبت أنه نعمة من الله، لكنه لم يجعله ميزان التفاضل بين البشر، بل جعل التقوى والأخلاق هي الأساس، فقال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

 

وفي الحديث الصحيح قال النبي ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"، بل إن النبي ﷺ أوصى عند اختيار الزوجة بأن يُنظر إلى الدين قبل أي شيء، فقال: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".

 

ثالثًا: نأتي للرجل، وكيف يفكر في اختيار شريكة حياته؟

 

فنجد أن الرجال عادة يبحثون عن الجاذبية المبدئية في المرأة، لكنها ليست العامل الوحيد. فكما يتضح، فإن الرجل الواعي، الجاد في الزواج يدرك أن الجمال قد يفقد بريقه بمرور الزمن، بينما تبقى السلوكيات والمعاملات والأخلاق والقيم راسخة. لذلك نجد أن العلاقات التي تُبنى على الشكل فقط غالبًا ما تفشل مع أول اختبار حقيقي للحياة.

 

وقد أثبتت الأبحاث أن الأشخاص الذين يعتمدون على الجمال وحده في علاقاتهم العاطفية، يعانون لاحقًا من الإشباع الحسي المتناقص (Sensory Adaptation)، أي أنهم يعتادون الجمال فلا يصبح بنفس التأثير السابق، بينما يظل حسن الخلق وقوة الشخصية عوامل جذب دائمة.

 

حتى ما إذا نظرنا إلى التاريخ والسلف الصالح، فنجد مثلا، الصحابي الجليل بلال بن رباح -رضي الله عنه- لم يكن جميل الشكل وفقًا للمعايير السائدة، لكنه كان من أفضل الصحابة في الدين والقيم، فرفعه الله بمقامه.

 

كذلك السيدة الجليلة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-، لم تكن معروفة بجمالها بقدر ما عُرفت بعفتها وذكائها وحسن تدبيرها، وكانت من أكثر النساء تميزًا في عصرها.

 

وقد قال الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فيما يخص هذا الشأن:

 

ليس الجمال بأثواب تُزيننا *** إن الجمال جمال العلم والأدب

 

* ونصائحي لكِ يا بنتي الحبيبة:

 

1- ثقي بنفسكِ وبقيمتكِ.. لا تجعلي المقارنة بالآخرين تقلل من ثقتكِ بذاتكِ.

 

2- ركزي على تطوير شخصيتكِ وأخلاقكِ.. فالعلاقات التي تُبنى على القيم تستمر، بينما التي تقوم على المظاهر تزول.

 

3- لا تتعجلي في الحكم على الأمور.. فالكثير من الفتيات اللاتي اعتمدن على الجمال فقط قد يجدن أنفسهن وحيدات لاحقًا، بينما صاحبات الأخلاق يُكافأن بأزواج يقدرونهن.

 

4- وتذكري دوما ما قاله الله ورسوله.. فأنتِ في الطريق الصحيح حين تجعلين القيم والأخلاق هما معياركِ، وليس فقط المظاهر.

 

* وهمسة أخيرة لقلبك غاليتي:

 

الجمال نعمة، لكنه ليس الأساس الذي تُبنى عليه الحياة الزوجية السعيدة.

 

والإسلام، كما يؤكد علم النفس، يُركز على جوهر الإنسان وليس شكله.

 

لذا لا تجعلي القواعد الظاهرية تخدعكِ؛ فالقيمة الحقيقية هي للأخلاق والقيم، وهي التي تجعل الإنسان محبوبًا ومؤثرًا بحق.

 

أسأل الله أن يرزقكِ الزوج الصالح المحب لك، وأن يرزقك معه السعادة والطمأنينة، وأن يُكرمكِ بما يليق بكِ من خيري الدنيا والآخرة.

الرابط المختصر :