ماما: لماذا نصوم؟ هل الله يعذبنا بالصيام؟

Consultation Image

الإستشارة 03/03/2025

أنا أم مربية لطفل في السابعة من عمره، سألني سؤالا فاجأني، فقال: "ماما، لماذا نصوم رمضان؟ هل الله يعذبنا بالجوع والعطش؟ أم أن هناك حكمة وراء ذلك؟".

شعرت أن هذا السؤال فرصة ذهبية لأغرس في قلبه حب الله، لكنني أريد طريقة تناسب فهمه ومرحلته العُمريّة؛ بحيث أوضح له حكمة الصيام بطريقة مبسطة، وأربطها برحمة الله ولطفه، وأجعله يحب عبادة الصيام بدلاً من أن يراها مشقة أو عذابًا. فكيف أرد عليه بطريقة تجمع بين التربية الإيمانية والدعوية، وتجعل الصيام محبوبًا له، مع ترسيخ المفاهيم الصحيحة عن الله تعالى؟

الإجابة 03/03/2025

الأخت السائلة الكريمة، أسعدك الله بطفلك وأقرّ عينك بصلاحه، وأسأل الله أن يجعله من الصالحين الذين يسألون الأسئلة التي تدل على قلوب صافية وعقول متفتحة.

 

واعلمي -أيتها المُرَبِّية المباركة- أنّ سؤال طفلك كنز تربوي، لأنه يفتح لك بابًا واسعًا لترسيخ محبة الله، وفهم الحكمة من العبادات، وتعزيز الصلة بالله في سن مبكرة. وأفضل طريقة للإجابة عليه هي طريقة القصة والتشبيه؛ لأنها الأقرب إلى فهم الأطفال.

 

أولا- الإجابة بطريقة طفولية محببة:

 

يمكنك أن تجلسي معه بلطف وتضعي يدك على كتفه بحنان، وتجيبيه بهذه الطريقة: "حبيبي، هل تتذكر آخر مرة كنت مريضًا، وطلب منك الطبيب ألا تأكـل بعض الأطعمة حتى تتحسَّن؟ هل كان الطبيب يريد أن يعذبك، أم أنه يحبك ويريد لك الصحة؟".

 

سوف يجيب الطفل بفطرته: "لا، الطبيب يريد أن أتحسن".

 

فأجيبيه: "إذن، الطبيب طلب منك أن تصبر عن الطعام لبعض الوقت، لكنه في الحقيقة كان يريد لك الخير. والله تعالى يحبنا أكثر من حب الأمهات لأطفالهن، وهو أعلم بما ينفعنا، ولذلك فرض علينا الصيام، ليس ليعذبنا، بل ليطهر قلوبنا وأجسامنا، ويجعلنا أقوى وأفضل".

 

ثم أضيفي: "الصيام يشبه تمرينًا رياضيًّا للروح، كما أن عضلاتك تصبح أقوى بالرياضة، فإن قلبك وإرادتك تصبح أقوى بالصيام، وهكذا نصبح أبطالًا في عبادة الله!".

 

ثانيًا- تعميق الفهم بحكمة الصيام بطريقة سهلة:

 

* الصيام يعلمنا الصبر: عندما نصبر على الجوع والعطش، نصبح أقوى ونستطيع التحمل في المستقبل.

 

* يشعرنا بالفقراء: عندما نجوع، نشعر بما يشعر به الفقراء فنساعدهم ونعطيهم الطعام.

 

* يجعلنا أقرب إلى الله: عندما نصوم، ندعو الله ونقترب منه، والله يحب الذين يقتربون منه.

 

* الصيام مفيد للجسم: حتى الأطباء يقولون إن الصيام يجعل الجسم أكثر صحة ونشاطًا.

 

* يمكنك أن تسأليه: "ألا تريد أن تكون قويًّا وشجاعًا، وتفعل شيئًا يحبه الله؟ إذن الصيام هو فرصتك لتكون بطلا عند الله!".

 

ثالثًا- أدلة قرآنية وحديثية مبسطة للطفل:

 

* الله يقول في القرآن: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسـْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْـرَ﴾ [البقرة: 185]، وهذا يعني أن الله لا يريد أن يتعبنا، بل يريد لنا الخير والسهولة.

 

* والنبي ﷺ قال: "للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه"، يعني أن الله يكافئ الصائم بسعادة في الدنيا والآخرة.

 

* وكان الصحابة يجعلون أبناءهم يصومون، ويلاعبونهم بالألعاب حتى ينسوا الجوع، وعندما يأتي وقت المغرب، يفرحون جِدًّا بالإفطار!

 

رابعًا- استثمار هذا السؤال دعويًّا وتربويًّا

 

وذلك من خلال الآتي:

 

1) تحفيزه على الصيام بطريقة تشجيعية: اجعلي له "جدول الأبطال"، يضع فيه نجمة أو ملصقًا جميلًا في كل يوم يصوم فيه ولو ساعات قليلة، وامدحيه أمام العائلة: "ما شاء الله، ابني اليوم تدرب على الصيام مثل الكبار!"، واربطي الصيام بالمكافآت الحسية والمعنوية، مثل قصة جميلة قبل النوم، أو هدية صغيرة في العيد.

 

2) تنمية حب الله في قلبه: ذكّريه دائمًا أن الله "أرحم بنا من أمهاتنا"، وأنه لا يريد بنا إلا الخير، وعلّميه الدعاء أثناء الصيام: "الله يحب أن يسمع دعاءك وأنت صائم، فاطلب منه ما تحب!".

 

3) تحبيب العبادات إليه بأسلوب ممتع: اجعلي رمضان مليئًا باللحظات السعيدة والماتعة، كأن يشارك في إعداد الطعام، أو يختار أطباق الإفطار، ويمكنك أن تقومي بحكاية بعض قصص أطفال الصحابة الذين كانوا يصومون ويلعبون حتى لا يشعروا بالجوع.

 

خامسًا- نصائح للمربين عند مواجهة الأسئلة الطفولية عن العبادات:

 

* استمع إلى الطفل جيدًا قبل الإجابة، وأظهر الاهتمام بسؤاله.

 

* أجب بإيجابية وتفاؤل، وابتعد عن أسلوب التخويف أو الإجابات الجافة.

 

* استخدم التشبيهات والقصص، فهي أسهل لفهم الأطفال.

 

* اجعل الإجابة عملية، بحيث يرتبط الطفل بالعبادة من خلال التطبيق لا التنظير فقط.

 

* لا تتجاهل أسئلته؛ لأن تجاهل الأسئلة قد يجعله يبحث عن إجابات خاطئة من مصادر أخرى.

 

وأخيـرًا، اجعل طفلك يحب العبادة لا أن يؤديها تحت الضغط:

 

فالأطفال -كما هو معلوم تربويًّا- لا يحتاجون إلى أوامر جامدة؛ بل إلى أسلوب يجعلهم يشعرون بالسعادة عند العبادة، فينشأ حبهم لها حبًّا صادقًا. فإن نجحنا في غرس هذه المشاعر، فقد وضعناهم على الطريق الصحيح ليكونوا عبادًا لله بعشق لا بإكراه.

 

فاللهم اجعل أبناءنا وأبناء المسلمين من الصائمين القانتين، وارزقهم حب العبادة، وافتح قلوبهم لحكمتك ورحمتك، اللهم آمين.

الرابط المختصر :