الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
91 - رقم الاستشارة : 1483
31/03/2025
السلام عليكم، د. أميمة،
ابننا البالغ من العمر 10 سنوات، مع اقتراب عيد الفطر، لاحظنا أنه يرفض الاحتفال بالعيد، بل إنه أصبح يصفه بأنه "ظلم اجتماعي"؛ لأنه يرى أن هناك أطفالًا فقراء لا يستطيعون شراء ملابس العيد أو الحصول على العيدية، بينما هو يعيش في ظروف مريحة ويحصل على ما يريد.
أصبح هذا التفكير يشغل عقله كثيرًا، حتى إنه بدأ يرفض ارتداء الملابس الجديدة، ويرفض أخذ العيدية، بل وأصبح يسأل بإلحاح: "لماذا نفرح بينما هناك أطفال لا يستطيعون ذلك؟ أليس هذا أنانية؟".
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
بدايةً، لا بد أن نثني على حساسية ابنكما المرهفة وإحساسه العميق بالعدالة الاجتماعية، فهذا يدل على نشأته السليمة وامتلاكه لما يسمى في علم النفس بـ "Empathy" أو (التعاطف الوجداني)، وهو قدرة الإنسان على الإحساس بمشاعر الآخرين ووضع نفسه مكانهم. هذه الصفة من أعظم القيم الأخلاقية، وقد أثنى الإسلام عليها، حيث قال النبي ﷺ: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
لكن، يا بني، يجب أن نُدرك أن الفرحة بالعيد ليست ظلمًا ولا أنانية، بل هي سُنّة شرعية شرّعها الله للمسلمين وجزاء الخير لهم بعد شهر الصيام، حيث قال النبي ﷺ عن يومي الفطر والأضحى: "إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا".
فالشعور بالسعادة في العيد هو جزء من الفطرة السليمة، وهو لا يتعارض مع الإحساس بمعاناة الآخرين، بل يمكن أن يكون دافعًا لمساعدتهم وإسعادهم.
ولذلك فيجب على الأبوين الموازنة بين الفرح والإحسان.. كيف لنا هذا؟!
1- إعادة تعريف العيد
العيد ليس مجرد ملابس جديدة أو عيدية، بل هو فرصة لنشر السعادة وإدخال السرور على الآخرين، وهو ما يسمى في علم النفس بـ "الإيثار" (Altruism)، أي تقديم الخير للآخرين دون انتظار مقابل؛ فعلِّموه أنه بإمكانه أن يجعل العيد أكثر جمالًا بأن يُهدي جزءًا من عيديته لطفل محتاج أو يشتري له هدية، فيشعر بسعادة مضاعفة.
2- علِّموه أيضًا أن السعادة ليست محدودة
فلا تعني سعادتك في العيد أن الآخرين محرومون منها، بل يمكنك أن تكون سببًا في نشر السعادة من خلال (أعمال اللطف)، مثل التبرع، أو مشاركة صديقك الذي لا يستطيع شراء ملابس جديدة ببعض ملابسك الجميلة؛ فلتجعل همّتك عالية في تحقيق السعادة لنفسك ولغيرك!
3- درِّبوه أيضًا على أن العيد فرصة للتغيير
يمكن -يا بني- أن تجعل العيد نقطة انطلاق لفعل الخير، فكما أن المسلم يخرج زكاة الفطر قبل العيد ليُدخل الفرح على الفقراء، يمكننا أيضًا أن نضع خطة لجمع التبرعات أو إعداد هدايا بسيطة للأطفال المحتاجين.
وذلك لأن الحكمة من الفرح بالعيد أصلا عبادة وليست مجرد عادة؛ فإدخال السرور على النفس والآخرين جزء من الشكر لله تعالى.
كما أن الإنسان يحتاج إلى لحظات الفرح ليستطيع مواجهة الحياة بتوازن نفسي، وهذا ما يؤكده علم النفس الإيجابي بـ "التعزيز الإيجابي" (Positive Reinforcement)، حيث تعزز السعادة الأداء النفسي والاجتماعي للإنسان ويحتاج إليها جدًّا كل فترة.
ولقد قال تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ}.. والعيد -يا صغيرنا- من شعائر الله تعالى التي يجب تعظيمها، بإظهار الفرحة والترويح عن النفس وإسعاد الغير، بداية من الاستعداد لصلاة العيد ومرورًا بالتزين بملابس جديدة والابتهاج لقدومه والالتقاء بالأصدقاء والأهل والأحبة، وكل ذلك بما لا يتنافى مع أوامر الله عز وجل والالتزام بطاعاته ونواهيه.
* وهمسة أخيرة إليكم جميعًا:
لا تحرموا أنفسكم من فرحة العيد، بل اجعلوها وسيلة لنشر الفرحة لمن حولكم، وهكذا تكونون قد جمعتم بين العدل والرحمة والفرح في آنٍ واحد.
وكل عام وحضراتكم والأمة الإسلامية جميعها بكل خير.