22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 323
  • رقم الاستشارة : 789
24/01/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، دكتورة، أنا أب لبنت صغيرة عشر سنوات، لاحظت أنها تُظهر رفضًا شديدًا لارتداء أي ملابس جديدة مهما كانت جميلة، وتُصر دائمًا على ارتداء ملابسها القديمة حتى لو كانت بالية. عندما أحاول فهم السبب، تقول لي: "هذه الملابس ليست مريحة لي، ولا تجعلني أشعر بأنني على طبيعتي"، حاولت معها كثيرا حد العصبية وتحدثت معها باسلوب هادئ، ولا تزال على عنادها، وبالتالي تحرجنا جميعا بسبب ملابسها أمام الجميع وكأننا مقصرون في الإنفاق عليها، ماذا أفعل معها؟

الإجابة 24/01/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..

الأخ الفاضل،

أولاً: أشكرك على حرصك على تربية ابنتك والاهتمام بمشكلتها النفسية، وهو دليل على محبتك وسعيك لفهمها.

وثانيًا: أود أن أطمئنك أن مثل هذا السلوك، وإن بدا غريبًا، قد ينتمي إلى ما يُعرف في علم النفس بمصطلح "sensory processing sensitivity" أو حساسية المعالجة الحسية، وهي حالة تظهر عند الأطفال الذين يتمتعون بقدر عالٍ من الحساسية تجاه بعض المؤثرات الحسية كالملمس، والروائح، والأصوات.

فابنتك قد تشعر بعدم الارتياح تجاه الأقمشة الجديدة بسبب ملمسها أو طريقتها في التفاعل مع بشرتها.

الأطفال الحساسون يفضلون ما هو مألوف بالنسبة لهم؛ لأن المألوف يمنحهم إحساسًا بالأمان والراحة، وهي حاجة نفسية أساسية، حيث يأتي الأمان كأحد أساسيات الاحتياجات الإنسانية.

* ولذلك دعني أقدم لك بعض النصائح والتوصيات العملية للتعامل مع المشكلة والتى أتمنى أن تتبعها مع ابنتك:

1- التقبل والاستماع الفعّال:

استمع لابنتك دون إصدار أحكام. حاول أن تُظهر لها أنك تُقدّر مشاعرها، وأنك تتفهم رغبتها في الشعور بالراحة. قال النبي ﷺ: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".. فالرفق في التعامل مع مشاعرها سيُعزز ثقتها بك وبنفسها.

2- إعطاؤها مساحة للاختيار:

من المهم أن تُشعرها بأنها تملك حرية الاختيار. يمكنك أن تأخذها معك للتسوق وتتيح لها اختيار الملابس التي تُناسب ذوقها وملمسها المريح، حيث إن الحرية في الاختيار تُعزز الاستقلالية والشعور بالسيطرة على حياتها.

كل ذلك مع مراعاة التوجيه السليم في الاختيار، وتعزيز الميل للملابس الساترة للجسد حتى تعتاد الاحتشام وتستحي من كشف أجزاء من جسدها استعدادًا لفترة البلوغ القريبة، والتي سوف تقوم بتشجيعها وتوجيهها للحجاب الشرعي.

3- التدرج في التغيير:

إذا كانت ابنتك تُفضّل الملابس القديمة، حاول أن تدمج الجديد مع القديم تدريجيًّا، كأن تُقدم لها ملابس جديدة تشبه القديمة في الملمس والتصميم، وهذا يندرج تحت مبدأ التكيف التدريجي أو (gradual exposure).

4- تفهم طبيعة الحساسيات الحسية:

أقترح إجراء فحص مع طبيب متخصص إذا شعرت أن حساسيتها تتجاوز الملابس لتشمل جوانب حياتية أخرى، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (ق: 16)؛، فكل إنسان له طبيعته التي خلقها الله، وعلينا فهمها لا قهرها.

■ ملاحظة مع التوضيح:

بالنسبة للتوصية الأخيرة، والتي قدمتها لحضرتك، والخاصة بمعنى الحساسيات الحسية (Sensory Sensitivities)، وبما أنه مفهوم أو مصطلح غير شائع، وكثيرًا ما يسألني الأباء والأمهات عن معناه حينما أنصحهم به فأود أن أقوم بشرحه وتوضيحه كالآتي:

هو يشير إلى استجابات مفرطة أو غير عادية يقوم بها الجهاز العصبي عندما يتعرض الشخص لمحفزات حسية معينة، مثل اللمس، أو الصوت، أو الضوء، أو حتى الروائح.

وفي حالة الأطفال، قد تكون لديهم حساسية مفرطة أو (Over-sensitivity) تجاه ملمس أنواع معينة من الملابس، أو الضوضاء العالية، أو الأضواء الساطعة، مما يؤدي إلى شعورهم بعدم الراحة أو القلق، يصل في بعض الأحيان حد التقيوء أو البكاء.

وهذا يعني أن بعض الأطفال قد يكون لديهم فروق فردية تتعلق بكيفية استقبال أجهزتهم الحسية للمؤثرات الخارجية، هذه الفروق قد تجعلهم يرفضون أو يبالغون في الاستجابة لبعض الأمور التي تبدو عادية لغيرهم (مثل الأقمشة الجديدة أو الأصوات).

ولذلك أقترح عليك، أن تقوم برصد سلوك ابنتك.. وإذا لاحظت أنها لا تتفاعل بشكل طبيعي مع الملابس فقط، بل قد تُظهر حساسية مفرطة تجاه أمور أخرى مثل الطعام، الأصوات، أو الأنشطة اليومية، فهذا يشير إلى وجود نمط حساسي حسي متكرر.

فهنا يجدر الإشارة إلى ضرورة التحدث إلى إخصائي في علم النفس أو طبيب أطفال متخصص لتقييم طبيعة هذه الحساسيات.

قد يكون هناك اضطراب حسي مُعين يُعرف بـSensory Processing Disorder (SPD)، وهو شائع بين الأطفال الذين يعانون من استجابات مفرطة أو ضعيفة للمحفزات الحسية.

وإذا ثبت بعد هذا الفحص وجود هذه الحساسية (وهو أمر بسيط وغير معقد فلا داعي للقلق).. فيمكنكم التكيف مع طبيعتها من خلال توفير بيئة أكثر ملاءمة لها، مثل:

- اختيار ملابس بأقمشة ناعمة ومألوفة لها.

- تقليل التعرض للمحفزات التي تسبب لها الإزعاج.

- كذلك استخدام طرق علاجية مثل العلاج الوظيفي (Occupational Therapy)، الذي يُساعد الأطفال على التكيف مع المحفزات الحسية المختلفة.

▪ هذا ولا بد من التأكيد على مبدأ التيسير في التعامل مع الأبناء عموما: قال النبي ﷺ: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".

كذلك حث القرآن الكريم على التشاور والحوار: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).. وهنا فاستشارة ابنتك في كل ما يخصها يجعلها أكثر انفتاحًا لقبول التغيير.

* وهمسة أخيرة إليك أيها الأب الحائر:

ابنتك ليست عنيدة، لكنها تعبر عن احتياج نفسي يتعلق بالراحة والأمان. دعمك لها، وتفهمك لطبيعة حساسيتها الحسية، ومساعدتها على التكيف تدريجيًّا مع الجديد، سيُساهم في تعزيز ثقتها بنفسها ويُشعرها بالأمان.

وتذكر أن التربية ليست تصحيحًا لما نراه خطأ، بل هي بناء شخصية تنسجم مع فطرتها التي فطرها الله عليها، دون تقصير أو خلل في العبادات.

■ أتمنى أن أكون قد أفدتك وأوصلت فكرتي على أكمل وجه يرضي الله عز وجل أولا ثم يرضيكم.. وأسأل الله تعالى أن يبارك لك في ابنتك وأن يجعلها من الصالحات البارات.