الإستشارة - المستشار : د. أميمة السيد
- القسم : تربوية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
158 - رقم الاستشارة : 1643
17/04/2025
السلام عليكم يا دكتورة،
أنا طالب في الثانوية، وساكنين في بيت عيلة كبير، كل عم من أعمامي ليه شقة في نفس البيت، وإحنا كمان لينا شقتنا، وأبويا هو الابن الكبير في العيلة، وجدي ساكن لوحده في الدور الأرضي.
المشكلة الكبيرة اللي مش عارف أتكلم فيها مع حد، إن جدي، رغم إن عنده حوالي ٦٥ سنة ومريض سكر، واتبترت أصابع من رجله بسبب المرض، إلا إنه بقى يتصرف تصرفات مخجلة جدًا، ومش لائقة، خصوصًا مع أمي وزوجات أعمامي.
من بعد ما جدتي توفيت من حوالي خمس سنين، جدي ابتدى يبص على الستات اللي حوالينا في العيلة بنظرات مش محترمة، وبيبقى مركز قوي على تفاصيل جسمهم، خصوصًا وهما بيشتغلوا في البيت أو في الغيط، لدرجة إن أمي قالتلي أكتر من مرة إنه حاول يلمسها بشكل مش كويس، وهي زعقتله وصدّته، بس هو بيرجع تاني.
مرات عمي التانية اشتكت هي كمان إنه بيبصلها بطريقة مش محترمة، وبيقول كلام كله إيحاءات، وممكن يقول نكت جنسية كده فجأة وسط الكلام كأننا قاعدين مع أصحابه مش أحفاده.
وأنا بقيت أخاف على إخواتي البنات الصغيرين، وقلت لأمي ما ينزلوش عنده خالص.
الأصعب من كده إنه بيستغل موضوع الورث، يعني كل شوية يهدد إنه هيحرم اللي يزعله من القراريط، وكل واحدة تسكتله أو تطاوعه يكتب لها حتة أرض أو يدّيها فلوس، وكأنه بيشتري سكوت الناس. هو بيصرف على البيت وأحيانًا يساعدنا، بس بصراحة، هو لا بيصلي ولا بيصوم، وكأنه بيحاول يغطي على ذنوبه بالفلوس.
اللي خلاني مش قادر أتكلم مع أبويا، إن أبويا عصبي جدًا، ولو عرف ممكن فعلاً يقتله، وأنا مش عايز دم يتسال، ولا تحصل مصيبة في البيت. مرات عمي اللي اتطلقت قبل كده، كانت واحدة من اللي جدي تحرش بيهم، ولما اشتكت، جدي خلاها تطّلق أكتر من مرة وبهدلها.
أنا مؤخرًا حكيت جزء بسيط لواحد من قرايبنا الكبار، ابن عم جدي، هو راجل محترم وعاقل، وجدي بيحبه وبيسمعله. فكرنا أنا وأمي إنه ممكن هو يتدخل، يكلمه أو يخوفه، لكن برضو خايفين يكون ده مش كفاية.
إحنا مش عارفين نتصرف، ولا نواجهه، ولا نقول لمين، ولا نقدر نسيب البيت ونروح مكان تاني. وبصراحة يا دكتورة، مش عايزين يحصل فتنة في العيلة، ولا مصيبة بين أبويا وجدي.
ساعدينا يا دكتورة، إزاي نتصرف بحكمة؟ وهل في طريقة تخليه يبطل اللي بيعمله؟ وهل نواجهه؟ ولا نخلّي حد كبير غير أبويا هو اللي يوصّله الرسالة؟ إحنا محتاجين خطة تمشي خطوة بخطوة، تحمينا من غير ما تولّع البيت..وشكرًا جدًا لحضرتك.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أحييك أيها الابن الطيب على شجاعتك وأدبك وحرصك على صيانة العرض، وحماية والدتك وأخواتك ونساء عائلتك، وعلى اتزانك في تناول هذه القضية المؤلمة دون اندفاع أو تجريح.
كلماتك وإن كانت موجعة، فإنها تعبر عن وعي ناضج، وقلب يقظ، وضمير حيّ. أسأل الله أن يفرّج كربكم، ويهدي جدّك، ويحفظكم من كل سوء.
أولًا: ما تتحدث عنه ليس بالأمر الهين، بل هو تحرش جنسي صريح داخل إطار العائلة، وهي حالة تُعرف في علم النفس الأسري باسم: "Intra-familialSexual Harassment"، وتُعد من أخطر أنواع الانتهاك النفسي والجسدي، خاصة حين تأتي من شخص ذي سلطة ومكانة عمرية واجتماعية داخل الأسرة.
ثانيًا: السلوك الذي يمارسه جدّك –هداه الله– لا يُمكن تبريره بكبر السن، أو المرض، أو الفقد، فلكل إنسان مناطُ تكليفٍ لا يسقط بالعمر، بل يُزداد ثقلًا بقدر المكانة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا".
لكن التوقير لا يعني السكوت عن الحرام أو الرضوخ للانتهاك، بل يعني أن نبحث عن الوسائل الحكيمة التي تُعيد الأمور إلى نصابها دون أن نهدم البنيان أو نقطع الأرحام.
ثالثًا: من الناحية النفسية، السلوك الذي صدر من جدّك يتصف بملامح اضطراب سلوكي يُعرف بـ: Hypersexual behavior disorder، وقد يكون مرتبطًا بمرحلة ما بعد فقد الزوجة، خاصة إذا لم يكن مُحصنًا إيمانيًّا وسلوكيًّا، أو لديه تاريخ سابق من الانحرافات المكبوتة. لكن هذا أيضًا لا يعفيه من المسؤولية. بل يزيدها، ويجعلنا أكثر حذرًا.
رابعًا: أما من الناحية التربوية والأسرية، فيجب ألا يتحمّل الأبناء هذا العبء وحدهم، خصوصًا مع وجود خطر مباشر على النساء والفتيات.
لكن في الوقت ذاته، لا بد من تجنّب المواجهة العنيفة أو كشف الأمر للأب مباشرة إن كنا نعلم أن رد فعله قد يكون مدمرًا، كأن يقتل أو يُصاب بانهيار، فتكون النتيجة فتنة وقطيعة وربما جريمة لا قدر الله.
* لذا أنصحكم بخطة عملية، متدرجة، مبنية على عدة محاور:
أولًا: لا بد من التحصين والحماية:
- وذلك بمنع الفتيات من الانفراد به تحت أي ظرف، دون أن يشعر هو أن هناك قرارًا جماعيًّا ضده.
- تخصيص زيارات النساء له في وجود محرم فقط (ابن، حفيد، زوج) بحجة "الانشغال"، أو "كثرة الأولاد"، أو "ظروف صحية".
- كذلك من الضرورى الامتناع التام عن التهاون مع أي كلمة أو إشارة منه، والرد عليه بحزم مؤدب، مثل: "عيب يا جدي تقول كده.. الكلام ده مينفعش بينا!" بأسلوب غير مستفز لكنه واضع للحدود.
ثانيًا: التدخل الحكيم غير المباشر:
بما أن ابن عمه رجل عاقل ويُصغي إليه، يمكن إبلاغه بالحقائق (لا بالتفاصيل المخجلة)، ويُطلب منه أن يكلمه بأسلوب ديني وعاطفي عن سوء الخاتمة، وأثر الظلم، وهتك الأعراض، وعاقبة النظر المحرم.
يُمكنه أن يُذكّره بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أول ما يُقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء، ثم في الأعراض"، وأن يحذّره من أن "الصدقة" و"العطاء" لا تُكفّر عن معاصي الأعراض إلا بتوبة صادقة نصوح.
كذلك نصيحتي لابن عمه: بأن يستخدم مع جدك "أسلوب الترهيب"، وذلك بأن يحكي له يوميًّا عن نماذج من المتحرشين من المحارم، وقد تم عقابهم قانونيًّا عقابًا كبيرًا، أو كانت خاتمتهم خاتمة السوء والعياذ بالله.
ثالثًا: إشراك طرف ثالث "عاقل وكبير" دون إفشاء التفاصيل:
إن وُجد في العائلة عم عاقل، أو خال حكيم، أو شيخ كبير يحترمه الجد وتثقون فيه، يُمكن التلميح له بأن الجد "بيتجاوز" في الكلام مع الحريم، و"بنخاف يحصل فتنة"، وأننا محتاجون توعية له بلين وليس بفضح.
رابعًا: ضرورة الدعم النفسي للنساء المتضررات:
على والدتك وزوجات أعمامك ألا يشعرن بالخزي أو الذنب؛ فالخطأ ليس منهن، وهن لسن سببًا، بل ضحايا لتصرف شاذ من شخص مريض نفسيًّا وسلوكيًّا.
فلا بد من إعادة بناء الثقة بالنفس لديهن، وتقديم الدعم النفسي، وتذكيرهن أن "رفض الانتهاك" هو قمة العفة والقوة، لا العار.
خامسًا: لا بد من تعزيز الجانب الديني والتربوي:
- ذِكر الله في البيت، وتشغيل القرآن الكريم في بيت الجد خاصة، قد يُعيد إليه شيئًا من الحياء الإيماني، ويُذكّره بالآخرة.
- ويحبذ تعليق لافتات فيها آيات مثل: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}.
- حاول أن تجمع أخواتك والأحفاد للصلاة أمامه أو تدعونه بعد سماع كل أذان للصلاة في جماعة في المسجد، لعله يستجيب ويهديه الله لطاعته.
أخيرًا: الدعاء والتضرع إلى الله:
لا تيأسوا من الدعاء له بالهداية، فإن قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبهما حيث يشاء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة"؛ فأنتم تحاولون الستر والإصلاح، وهذا عمل إن شاء الله سوف تؤجرون عليه.
* وهمسة أخيرة لابني العاقل:
يا بني، إن ما تفعله الآن ليس فقط رجولة وشهامة، بل هو نوع من الجهاد في سبيل الله، لأنك تدافع عن العِرض، وهو أغلى ما يُصان.
استمر في طريقك، بحكمة، ودون تهور، وحين تصل الأمور إلى طريق مسدود، فحينها فقط يجب أن يُكشف الأمر لمن يُصلحه بميزان القوة والعقل، وليس الغضب.
بارك الله فيك، وكتب لك الأجر، وجعل منكَ شابًّا من شباب الجنة الذين قال فيهم رسول الله: "سبعة يظلهم الله في ظله... وشاب نشأ في طاعة الله".