الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : الخطبة والعقد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
92 - رقم الاستشارة : 3053
24/10/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بفضل الله تعالى، خطيبتي مثال للزوجة الصالحة من جوانب متعددة؛ فهي ذات خُلق ودين، وعلى قدر عالٍ من الأدب والتدين، ومحافظة تمامًا على حجابها الشرعي، بل وتتسم بالوعي والفهم، كما أنها ماهرة في تدبير شؤون المنزل (كالطبخ وغيره)، وعائلتها من الأسر الفاضلة الطيبة. باختصار، كل ما أتمناه من مقومات الزوجة الصالحة متوفر فيها ولله الحمد.
إلا أن هناك أمرًا واحدًا يسبب لي بعض الحيرة والتردد، وهو ما يتعلق بالجمال الشكلي؛ حيث إنها متوسطة الجمال، مما يجعل مشاعري تجاهها متقلبة؛ أحيانًا: أشعر بعدم القدرة على التقبل التام وأفكر في عدم إكمال الزواج، خاصةً عندما أرى من هنّ أجمل منها نسبيًا، فتدخل المقارنة إلى ذهني وتؤثر على مشاعري نحوها. وأحيانًا أخرى: أستحضر كل هذه المزايا الكبيرة في دينها وخلقها وطبعها وذكائها، فأشعر بالراحة والاطمئنان وأن الأمر ليس بتلك الأهمية.
فما هي نصيحتكم لي في هذا الموقف؟ وهل هذا الشعور طبيعي وسيزول بعد الزواج مع الألفة والقرب، أم أنه قد يؤدي إلى مشكلات لاحقًا؟ وهل أُقدم على إتمام الزواج رغم هذا التحفظ الجزئي أم أتراجع؟ وجزاكم الله خيرًا.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ومرحبًا بك يا ولدي، وأشكرك على ثقتك بنا، وعلى مبادرتك لمراسلتنا واستشارتنا في هذا الأمر المهم والمفصلي في حياتك، وأسأل الله العلي القدير أن يرزقك التوفيق والسداد، وأن يُنير بصيرتك إلى ما فيه الخير والصلاح لك في دينك ودنياك، وأن يُقدِّر لك الخير حيثما كان، ويُرضيك به، وبعد...
فإنَّ الزواج في الإسلام ليس مجرد عَقد اجتماعي، بل هو آية من آيات الله الكونية، وسكن ومودة ورحمة، وميثاق غليظ، وشراكة إيمانية لبناء أسرة صالحة.
ومن أهم ركائز نجاح الزواج، الاختيار الصحيح الذي يضمن استدامة هذا السكن، وضمان السعادة والرضا لطرفيه.
الأولوية للدين والخُلق
لقد وضع لنا النبي الأعظم ﷺ القاعدة الذهبية لاختيار الزوجة، التي تضع الأمور في نصابها الصحيح، حيث قال: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» [متفق عليه].
وهذا الحديث ليس تقليلًا من أهمية المال والحسب والجمال، ولكنه توجيه نبوي رباني يضع الدين والخلق في قمة الأولويات، ويجعلها هي الركيزة التي عليها يقوم البنيان.
فذات الدين والخلق هي التي تعينك على طاعة الله، وتحفظك في غيبتك، وتربِّي أبناءك على الفضيلة، وتجعل من بيتك واحة طمأنينة. قال -تعالى- واصفًا بيت الزوجية ومقوماته: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]. فالمودة والرحمة هما الثمرتان الحقيقيتان اللتان لا يُمكن للجمال وحده أن يُثمرهما؛ بل هما نتاج التقوى والصلاح.
وتذكر دائمًا -يا ولدي- أن الجمال الشكلي زهرة تذبل مع مرور الأيام، وتتأثر بالظروف، في حين أن الجمال الروحي (الدين والخلق) يزداد رسوخًا ونضجًا مع العِشرة الطيبة، والسنوات الطوال.
لديك كنز نادر
أنت تصف خطيبتك بأنها: ذات خُلق ودين، وأدب، ووعي وفهم، وماهرة في تدبير المنزل، ومن أسرة فاضلة. وهذه كلها –يا ولدي- مقومات النجاح الحقيقي للحياة الزوجية.
وفي واقع الأمر، إن الألفة والمحبة بين الزوجين كفيلة بتجميل الزوجة في عين زوجها، بل وتجعله يرى فيها ما لا يراه في غيرها. فالعشرة الطيبة والأخلاق الحسنة لها سحر عظيم، يجعل النفس تميل وتطمئن، فتتجاوز الأعين عن بعض النقص الشكلي.
وحذارِ من فخ المقارنة! فالمقارنة هي قاصمة الظهر للسعادة الزوجية؛ لأنك عندما تقارن (نقصًا مزعومًا) في خطيبتك بـ (كمال متوهم) في أخرى، فإنك تنسى أن تلك الأخرى قد يكون لديها من العيوب في الدين أو الخلق أو الذكاء أو التدبير ما يقضي على أي جمال شكلي.
إن السعادة تكمن في تقدير ما لديك، لا في تمني ما لدى غيرك. تذكر أنك تمتلك كنزًا نادرًا وهو «ذات الدين والخلق والتدبير».
لا كمال في الدنيا
من الضروري –يا ولدي- أن تستحضر حقيقة كونية وإيمانية: أن الدنيا ليس فيها كمال، وليست هناك نعمة دون كدر. وإن البحث عن الكمال المطلق في شريك الحياة هو بحث عن سراب.
إن هذا النقص اليسير في الجمال يُقابله كمال عظيم في الدين والخلق والوعي، وهذا هو جوهر الصفقة الرابحة.
هل هذا الشعور سيزول بعد الزواج؟
نعم، فهذا الشعور طبيعي وإنساني في مرحلة الاختيار، فالعين تُحب أن ترى الجميل، والنفس البشرية تميل إلى الكمال. ترددك وحيرتك دليل على أنك في مرحلة تقييم ومقارنة بين كفتي الميزان: كفة الدين والخلق والوعي، وكفة الجمال الشكلي.
وفي الغالب الأعم، يزول هذا التردد الطفيف مع الألفة والزواج، لعدة أسباب:
1. المودة والرحمة: مع العِشرة الحسنة، تنمو بذور المودة والرحمة التي ذكرها الله تعالى. هذه المودة هي التي تُحوِّل النظرة من مجرد تقييم شكلي خارجي، إلى رؤية عميقة للجوهر والمعدن الأصيل.
2. الرضا والقناعة: عندما تتأمل الخير العظيم الذي ستحصده من صلاحها، وحسن تبعلها، ورعايتها لبيتك، وكونها زوجة تعينك على طريق الآخرة، فإن النفس ترضى وتستكين، وتُصبح المسألة الشكلية شيئًا ثانويًّا لا يُذكَر أمام هذا الفيض من الخير.
3. العشرة تُجمِّل: هناك قصص كثيرة في واقعنا تُؤكد أن الزوج الذي تزوج بامرأة لم تكن فائقة الجمال في عينه، أحبها بعد الزواج حُبًّا عميقًا جعله لا يرى أجمل منها؛ لأن قلبه تعلَّق بجمال روحها وحُسن صحبتها، وهذا هو الجمال الدائم.
هل تتم الزواج رغم هذا التحفظ؟
ولدي الحبيب، يجب أن يكون قرار الزواج نابعًا من قناعة تامة، ولذلك ندعوك إلى وقفة صادقة مع الذات:
اسأل نفسك: لمَ اخترتَها؟ وماذا ستفقد إن تركتَها؟
وأنا أجيبك: اخترتها لأن قلبك وعقلك قد مالا إلى هذه الصفات العظيمة (الدين، الخلق، الوعي، التدبير). فاسترجع اللحظة التي شعرت فيها بالاطمئنان تجاهها بسبب هذه المزايا. هذا الجوهر هو الذي سيبقى ويدوم.
وإن تَركتها، فأنت تُخاطر بخسارة امرأة هي نموذج لما يبحث عنه كل رجل سوي (ذات دين وخلق ووعي). هل تضمن أن تجد امرأة تجمع بين كل هذه المزايا إضافة إلى الجمال الفائق؟ غالبًا ما يكون التنازل في صفة (الجمال المتوسط) مقابل اكتساب صفات عظيمة لا تُقدر بثمن (الدين والخلق).
تخيل نفسك معها بعد عشر سنوات؛ هل تهمك صورتها الخارجية أكثر أم يهمك أنها أمينة، حكيمة، مُربية صالحة لأولادك، سند لك في الدنيا والآخرة؟ لا شك أن الجواب سيكون لمصلحة الجوهر والمعدن.
الإتمام بقناعة أو الانسحاب برُقي
لكن –يا ولدي- إن لم يقنعك كل ما فات، وإن لم تستطع تقبلها بشكل كامل واقتناع تام، فلا تُجبر نفسك، وإياك أن تُقدم على الزواج بها وأنت غير مقتنع بها بشكل كامل. لا تُقدم على الزواج بها وأنت تُخفي نفورًا داخليًّا أو عدم قبول؛ لأن هذا سيؤدي حتمًا إلى مشكلات لاحقة، وقد تظلمها وتظلم نفسك. فكن صادقًا معها ومع نفسك من البداية.
وأذكِّرك بصلاة الاستخارة قبل أن تأخذ قرارك، استخر الله عز وجل، وادعُه أن يوفقك للصواب ولما فيه الخير لك ولها. فإن كان التحفظ مجرد تردد جزئي فسيزول بالاستخارة إن شاء الله، وستجد صدرك منشرحًا للإتمام، والظروف ميسرة ومهيأة لذلك.
أما إذا غلب عليك شعور عدم القبول، بعد استخارة ودراسة عميقة، وقررت أن تتركها، فانسحب برقي وكرم أخلاق. لا تجرحها وأهلها، واذكر صفاتها الحسنة، وأرجع سبب انسحابك لظروف ما لديك، واجعل هذا لا يترك أثرًا سيئًا في قلبها أو قلب أهلها، وتنازل لها عن بعض ما أهديتها إياه، تفضلًا وكرمًا واعتذارًا وتطييبًا للخاطر.
وختامًا يا ولدي، أسأل الله أن يوفقك لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
روابط ذات صلة:
شدة جمالها تمنعني من الإقدام على الزواج منها!!