الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : الخطبة والعقد
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
257 - رقم الاستشارة : 2573
01/09/2025
السلام عليكم، هل أرفض شاباً لا يصلي وشخصيته مهزوزة؟ تقدم لي شاب يقاربني في العمر عمره 37 وأنا عمري 35 ورغم تقدمي في العمر إلا أنني لا أريد الزواج لمجرد الهروب من العنوسة أو خوفاً من التأخر في الإنجاب بل أبحث عن شخص متزن.
المهم أنني كنت قد أبديت موافقتي عليه لكنني سألت عنه زميلاً له في العمل وأنا أثق بهذا الزميل فقد كنت أعمل عنده سابقاً وأعرف تدينه وأخلاقه سألته بأمانة أن يخبرني عنه فقال إنه شخص جاد في عمله ولكنه لا يصلي.
والأمر الآخر أنه إذا حدثه أحد بكلمة عابرة فإنه بعد ساعات أو عندما يعود كل منهما إلى منزله يقوم بالاتصال به ويسأله عما كان يقصده من تلك الكلمة في حديثه مما يظهر أنه شخصية مهزوزة وغير واثقة من نفسها وشخصية موسوسة وصعب التعامل معها، لذا يجب الحذر في الحديث معه، فقررت أن أرفضه، أليس من حقي أن أحلل شخصيته بهذا الشكل، ماذا برأيكم؟ أفيدوني فقد تشتت فكري.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك ابنتي الكريمة في موقعك البوابة الإلكترونية للاستشارات.. لو أن زميلك الذي كنت تعملين تحت إدارته مصدر ثقة بالنسبة لك وأخبرك أن هذا الشاب لا يصلي فهذا مبرر أكثر من كاف لرفضه، فأي عيوب شخصية أخرى كأن يكون فاقدًا للثقة في نفسه أو شخصية موسوسة ونحو ذلك من أمور خطيرة لا ترقى مجتمعة أن تشبه في خطورتها كونه لا يصلي.. وبالتالي وبشكل واضح وصريح أقول لك ارفضي هذا الخاطب فورا.
تارك الصلاة
ابنتي الغالية، اتفق العلماء على أن تارك الصلاة جحودًا بها كافر كفرًا يخرجه من الملة واختلفوا في حكم من تركها تكاسلاً.. وغالب الظن أن هذا الشاب يترك الصلاة تكاسلاً منه، وهو في ذلك يرتكب كبيرة من أكبر الكبائر حتى تمت مقارنتها بالكفر، فهل تقدرين مدى خطورة الأمر؟! وفي الحديث الذي رواه أحمد (من ترك الصلاة متعمدًا برئت منه ذمة الله ورسوله) فلماذا تربطين مصيرك بمثل هذا الرجل؟!
تارك الصلاة لا يؤتمن عليك، فإن كان قد أهدر الصلاة التي هي عماد الدين ولم يحافظ عليها، فهل تتصورين أنه سيكون أمينًا عليك؟
إن كان لم يجد بضع دقائق حتى يقيم الصلاة، فهل تعتقدين أنه سيجد وقتًا للاهتمام بك؟
إن كان لم يجد الحافز الذي يدفعه كي يتواصل مع رب العالمين، فهل تظنين أنه سيكون لديه الحافز كي يتواصل معك؟
قد تقولين في نفسك لكنْ هناك رجال كثير لا يقيمون الصلاة ولديهم أخلاق راقية ويمتلكون مهارات ناعمة للتواصل وتعيش أسرهم حياة سعيدة فلِمَ لا يكون واحدًا منهم؟!
أقول لك هذا هو الظاهر لك فقط.. الوجه الخارجي الذي يتم التعامل معه مع الناس وحتى مع الزوجة إنما في أعماقه هناك خراب.. من الممكن أن هذا الخراب يتم تغطيته وهذه الفجوة في الروح يتم ردمها على نحو ما لكنها تبقى كالرمال المتحركة في لحظة واحدة قد ينهار فيها كل شيء.
بعيدًا عن الدين
نعم هناك منظومات خلقية قد تنشأ بعيدًا عن الدين، وعلم الأخلاق يتم تدريسه كفرع من فروع الفلسفة أو أحد نواتجها لأن الأخلاق جزء من هوية الإنسان بغض النظر عن دينه، وحتى اللادينيين يتحدثون عن الأخلاق، لكن ثقي تمامًا أن أقوى رافد من روافد الأخلاق هو الدين والدين هو الذي يحمي الأخلاق وهو الضامن لها من التغير مع الضربات الموجعة التي قد تحدث في الحياة.. والدين هو الذي يربي الضمير وهو من يمنحه الحساسية، وبعيدًا عن الدين ستكون السيادة لأخلاق المنفعة والبرجماتية أو أخلاق المتعة عندما يصبح الإنسان مقياسًا لكل شيء.
المسلم بالذات لا يمكن أن يطور أخلاقًا بعيدًا عن الدين؛ لأن طبيعة الإسلام تأبى هذه التجزئة، والذي يجعله يتجرأ على الدين وفي القلب منه الصلاة سيجعله أكثر قدرة على تجاوز الأخلاق وتمييعها حتى يشبع رغباته ويحقق منافعه.
ربما أيضا تجدين من يصلي ولكن أخلاقه سيئة ومعاملاتة حقيرة، ثقي أن هذا الرجل لا يصلي على وجه الحقيقة بسبب {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، وفي الأثر الذي روي عن ابن مسعود (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدًا).
ما أقصده -يا ابنتي- أن الصلاة هي الأساس والأخلاق هي البناء، فإذا وجدت بناء بلا أساس فثقي من انهياره ولو بعد حين.. ولو وجدت أساسًا لا يمكن البناء عليه فاعلمي أنه خرب ولا قيمة له.
الشخص المتزن
لذلك -يا ابنتي- أقول لك وبكل ثقة أنت على حق في رفضك لهذا الخاطب ومعك كل الحق في التحليل الذي قمت به لشخصيته، زادك الله عقلاً وحكمة، فأنت فتاة متزنة مستقرة نفسيًّا لا تشعر أن وصولها للخامسة والثلاثين فزاعة تجبرها عل الزواج من أي رجل حتى تلحق بقطار الزواج أو حتى من أجل إنجاب طفل؛ فالزواج بشخص غير مناسب لن يمنحك غير التعاسة، وقد ينتقل بك من خانة المتأخرات في الزواج لخانة المطلقات (لا المتأخرات في الزواج ولا المطلقات هناك ما يعيبهم بالتأكيد لكنني أحدثك عن نظرة المجتمع).
بالإضافة للتعاسة والألم النفسي المصاحب للطلاق، ولا أظن أنك تريدين إنجاب طفل في ظلال التعاسة والألم، لذلك أنت تستحقين رجلاً متزنًا مثلك تمامًا، ولا شك أن الزواج بمثل هذا الرجل رزق من الله، فاسألي الله من فضله العظيم واسأليه وأنت موقنة بالإجابة.. أسعد الله قلبك وأصلح حالك ورزقك الزوج الذي تقر عينك به والطفل الذي يلون حياتك بالبهجة.