ليس له عمل.. فهل يتحمل مسئولية الزواج؟

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك بوابة الاستشارات الإلكترونية.. يمكننا النظر لهذه الاستشارة من ناحية مزدوجة، فمن ناحية هذا الخاطب الثري ابن العائلة المرموقة وحيد والديه "عريس جاهز" ولكنه لا يملك عملاً خاصًّا به، ومن الناحية الثانية مدى استعداد ابنتك الحقيقي للزواج، فهي لم تعتد تحمل أي مسئولية أكبر من مسئولية الدراسة، وبالتالي أنت تتشككين في مدى قدرتها على تحمل مسئولية إدارة بيت والاهتمام بزوج وما إلى ذلك.. دعينا نتحدث في البداية عن أهمية المسئولية ودورها في نجاح الزواج.

المسئولية والزواج

"المسئولية" ركن أساسي من معادلة الزواج الناجح، فلا يتصور أن ينجح الزواج وأحد طرفيه يفتقد هذه القيمة.. بالنسبة للشباب تبدأ المسئولية بالمسئولية المادية وبمدى قدرته وتحمله لمهارة السعي والكد ولا تقل المسئولية النفسية أهمية عن المسئولية المادية، والقوامة مرتبطة بهذه المسئولية النفسية جنبًا إلى جنب مع المسئوليات المادية؛ فالاهتمام والمتابعة والدعم وتعزيز السلوك الإيجابي والعمل على حل المشكلات والعقبات والصبر والتحمل هي من مظاهر المسئولية النفسية للرجل.

بالنسبة للفتيات فإدراك معاني المسئولية والقدرة على التحمل هو شرط أساسي أيضًا في المعادلة حتى تتزن، وأمور مثل إدارة البيت ورعاية الأطفال والاهتمام بالزوج هي نماذج لأعمال تتداخل فيها المسئولية المادية مع المسئولية النفسية في نسيج واحد، والفتاة التي تعاني من تضخم الشعور بالذات أو التي تُعلي من القيم الفردانية وتلك التي اعتادت على الدلال لا تستطيع تحمل المسئولية، ومن ثم لا يمكن أن تنجح في زواجها.

المسئولية في الزواج هي أحد المعاني التي يمكن استناجها من قوله ﷺ في الحديث المتفق عليه (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ) والراعي هو الحافظ.. الراعي هو المؤتمن.. الراعي هو المسئول.. أما هؤلاء الذين لا يمتلكون القدرة على تحمل المسئولية ويتصورون الزواج رحلة للأخذ فقط أو للمتعة فقط فهم المادة الأولية للفشل وتشويه مفاهيم الزواج الذي هو آية من آيات الله.

الرجل والعمل

أختي الكريمة، كون هذا الخاطب ثريًا أو جاهزًا فهذا أمر جيد ويحقق لابنتك حياة كريمة بالفعل، وكونه ابنا لعائلة مرموقة فهذا يمنح ابنتك وضعا اجتماعيًّا ممتازًا، لكن المشكلة الحقيقية أن هذا الشاب لا يعمل ولست أدري لماذا.. هل هو يبحث عن عمل ذي طبيعة خاصة مثلا؟ أم أنه شاب مدلل ولا يشعر بالحاجة للعمل؟ وهل سبق له العمل وهذا الوضع مؤقت؟ أم أنه لم يعمل مطلقًا؟

وتحضرني هنا المقولة المنسوبة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب (إني لأرى الرجل فيعجبني، فإذا سألت عنه فقيل لا حرفة له، سقط من عيني).

فإذا كان هذا الخاطب لا يعمل لأنه ثري ويعتمد على أموال عائلته، ففي رأيي أنه لا يصلح للزواج؛ لأنه لم يتعلم معاني المسئولية ولم يختبر مفهوم السعي ومن ثم لا يصلح لقيادة الأسرة.

فإذا أضفنا إلى ذلك أنه ابن وحيد لوالديه ووضعنا ذلك جنبًا إلى جنب مع كونه لا يعمل وليس له حرفة، فهذا يعني أننا أمام شاب مدلل غالبًا لا يستطيع اتخاذ القرار وسيكون رأيه ومواقفه تابعة لوالديه، ولا يخفى عليك انعكاس هذا السلوك على حياة ابنتك واستقرارها الزوجي.

ابنتك والزواج

أختي الكريمة، ابنتك هي الأخرى بحاجة لخطة تدريجية تدمجها بالمسئوليات المختلفة التي تقع على عاتقها سواء في اللحظة الراهنة أو في المستقبل، فابنتك لم تعد طفلة وحتى الأطفال نقوم بتدريبهم على تحمل المسئولية.. أما وابنتك يتقدم لها الخاطبون ولعلها في المراحل النهائية من دراستها الجامعية فهذا يعني أن الأمر جد خطير، وعليك أن تتحدثي معها بلطف عن مفهوم الزواج ومعاني المسئولية المادية والنفسية التي تترتب عليه..

أنصتي لها جيدًا حتى تتعرفي على ما يدور في عقلها من أفكار وما تعتنقه من مفاهيم، ثم ناقشيها بهدوء ودون أي انفعالات حادة حتى تستطيعي التوصل معها لبعض الأفكار المتفق عليها والتي تصلح كبداية، ثم ضعي خطة تدريبية تدريجية معها بحيث تبدأ معك في المشاركة في إدارة البيت بصورة منظمة حتى لا يتأثر مستواها العلمي والدراسي.

وأرجو أن تتابعي صفحة الاستشارات الأسرية فسوف نقدم استشارات تفصيلية تُعنى بالمسئولية النفسية في الزواج فاجعليها تقرؤها بشكل مباشر وأديري معها حوارًا حولها، وثقي أنه بعد فترة ليست طويلة من الوقت ستجدين أنها مؤهلة للزواج عندما يتقدم لها شاب يعي هو الآخر معنى المسئولية؛ فالزواج ليس ثوبًا أبيض ضخمًا وحفل زفاف وجلسات تصوير ورحلات ونزهات فقط، بل هو في عمقه ميثاق غليظ يتعاهد عليه طرفان يعيان حجم المسئولية...

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقك راحة البال، ويسعدك ويسعد قلب ابنتك، ويرزقها الزوج الصالح الذي تقر عينها به.