رائع وفقير.. هل أقبل بالزواج منه؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
  • القسم : الخطبة والعقد
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 42
  • رقم الاستشارة : 3553
11/12/2025

تقدم أحدهم خطبتي منذ فترة، رجل حنون وطيب ومحترم، لكن هناك مشكلة واحدة وهي أن حالته المادية سيئة، وأنا هنا لا أتحدث عن وضع متوسط أو عادي، بس وضع سيئ لدرجة أنني أشعر أني لو تزوجته سينتهي بي الأمر بالشعور بالذنب لكل قطرة ماء ساخن أستحم بها أو قضاء ساعات في البحث عن أفضل العروض في المحلات بسبب فرق أسعار لا يتعدى كم سنة.

أنا هنا لا أتحدث عن الادخار العادي أو الصرف بحكمة، بل أتحدث عن ضغط رهيب لأن وضعه المادي سيئ جدًّا، أشعر حرفيًّا بالذنب لو تمت دعوتي لشيء، رغم أنه حقيقة لم يجعلني أدفع يومًا، ولو أنه مزح عن الموضوع مرة من قبل، ثم رفض عندما أخرجت محفظتي.

أنا لست من خلفية غنية، وأنا هنا لا أتحدث عن الشروط غير الواقعية في بلداننا الأم مثل أن يكون له بيت ملك وسيارة فهذه أوروبا، والحياة هنا صعبة لكنني أعلم أني لو تزوجته فسيسوء وضعي المادي جدا مقارنة بما أجده في بيت أهلي.

وفي الحقيقة أنا في رأيي أن الفتاة إن خرجت من بيت أهلها، لتخرج على الأقل لشيء مشابه له أو أفضل، وليس أسوأ خصوصا أنه لديه الكثير من الديون والمصاريف المختلفة إن تزوجنا وأنجبت منه سيزيد الوضع سوءًا، وهو سيئ بما فيه الكفاية الآن.

بالطبع ستسألونني لماذا أنا مصرة لهذه الدرجة؟ الرجل رائع، حنون، ذو حس وأخلاق عالية يحبني وأحبه، يستمع لي ولمشاكلي، دعمني كثيرا وأنا أحبه جدا صرت أتمنى أن تحصل معجزة يمكنها إصلاح الوضع المادي كي لا نضطر للانفصال لكنني لا أستطيع الادعاء أو تجاهل الوضع.

نحن لم نكن أغنياء يوما، لكنني لم أضطر لمرة بالتفكير في فرق الأسعار بين منتجين في السوق، أو بالفواتير إن استحممت بماء ساخن لفترة أطول. ولا أقول ذلك لأنني مثلا لم أكن أتدخل في الماديات أو أعيش في دلال، بل لأن وضعنا كان يسمح بذلك، أخذ كيس دقيق أغلى بقليل أو شراء بسكوت شوكولا من السوق لم يكن يتسبب بأزمة مادية، ربما إن أردنا شراء شاشة تلفزيون جديدة أو هاتف أو تصليح شيء تحطم في المنزل إذن نعم، هذا سيعتبر تكاليف أو مصاريف جديدة، لكن الأمور العادية البسيطة في المحلات.

وهكذا لم تكن يومًا مشكلة، حتى أيام مرض والدي التي لم يستطع فيها العمل بدوام كامل، بل وحتى فترة كورونا وضعنا المادي لم يكن دائما جيدا، لكن ليس لدرجة ما أراه عند هذا الخطيب، لا أريد أن أتزوج لأشقى، كما أنني لم أكن لأرفض لو كان وضع طبقة متوسطة عادي، مثل غالبية زملائي وأصدقائي وجيراني هنا بغض النظر عن خلفيتهم لكن هذا وضع أسوأ من العادي.

وصلت لمرحلة أنني لا أستطيع التفكير بشيء له علاقة بالموضوع دون أن يبدأ الضغط المالي على عقلي على الفور حتى الفتيات في العادة عندما يكن مخطوبات ويفكرن بالعرس، يفكرن بليلة العمر والزواج و شهر العسل، أنا أفكر بكيف أن الترفيهيات في حياتي ستقل وأنني سأعاني من الأساسيات. لكنني بنفس الوقت أستصعب الموضوع، فأنا أحبه.

وربما نحن أخطأنا أننا اقتربنا من بعض عاطفيًّا قبل مناقشة هذه الأمور، فهو الآن شريكي وشخص أخبره بكل أموري، يعني أنه بيننا عواطف عميقة ليس مجرد عريس أتى لبيتنا ويمكنني رفضه وأنا أتشرط.

الآن هناك قلب ومشاعر وأسرة في الصورة، أخته متزوجة بالفعل من رجل غني، ولديها مساعدات منزليات وأبناؤها لديهم ناني ومدارس خاصة، أي أن عائلته زوجت ابنتها من هذا المبدأ، لكنني أشعر بالذنب لأنه شخص جيد وأنني شخص مادي جدًّا، انصحوني ماذا أفعل كي لا أكسر قلب أحد؟

الإجابة 11/12/2025

ابنتي الغالية، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك في موقعك بوابة الاستشارات الإلكترونية.. لست مادية يا ابنتي كما وصفت نفسك في الرسالة لكنك واقعية للغاية، فأنت لا تريدين الزواج كي تعاني من الشقاء والبؤس، وهذا هو أول ما يخطر على بالك عندما تفكرين في الزواج من هذا الرجل، فإذا كانت هذه المشاعر تنتابك من مجرد الفكرة فكيف سيكون الواقع الحياتي؟

 

من استطاع الباءة

 

ابنتي الكريمة، القدرة المالية على تحمل نفقات الزواج هي إحدى الركائز الأساسية التي لا يمكن التغاضي عنها أو وصفها بالمادية بالمعنى السلبي للمصطلح والنبي يقول في الحديث المتفق عليه: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ)، والباءة تشمل فيما تشمل القدرة المادية على الزواج من مهر ونفقة وإيجار مسكن ومصروفات معيشة، وهذا الرجل لا يمتلك هذا بل إن عليه ديونًا ينبغي عليه أن يسددها، فكيف يستقيم هذا الزواج؟

 

ابنتي الغالية، قدرة الرجل على النفقة هي إحدى ركيزتين استحق بهما القوامة؛ فالركيزة الأولى هي السمات الشخصية النفسية والأخلاقية التي تؤهله لذلك، والركيزة الثانية هي قدرته على النفقة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، فعدم قدرة هذا الرجل على النفقة ستؤثر على قوامته وبالتالي ستؤثر عليك وعلى مشاعرك نحوه وعلى تقديرك له.

 

ابنتي، هذا التفكير ليس تفكيرًا ماديًّا وإنما هو تفكير شرعي، فمن لا يمتلك القدرة على النفقة لا يصلح للزواج تمامًا كمن لديه عيب سلوكي أو نفسي (فعنْ فَاطِمةَ بنْتِ قَيْسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْها قَالَتْ: أَتيْتُ النبيَّ ﷺ، فقُلْتُ: إنَّ أَبَا الجَهْمِ ومُعاوِيةَ خَطباني؟ فَقَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: أمَّا مُعَاوِيةُ، فَصُعْلُوكٌ لاَ مالَ لَهُ، وأمَّا أَبُو الجَهْمِ فَلاَ يضَعُ العَصا عنْ عاتِقِهِ) متفقٌ عَلَيْهِ.

 

وفي روايةٍ لمسلمٍ: وأمَّا أبُو الجَهْمِ فضَرَّابُ للنِّساءِ، وَهُوَ تفسير لرواية: لا يَضَعُ العَصا عَنْ عاتِقِه.. الرسول ﷺ رفض الرجلين؛ لأن أحدهما لا مال له ولأن الثاني رجل عنيف، فالاثنان لا يصلحان أن يديرا زواجًا ناجحًا.

 

لو أن هذا الرجل الذي تقدم لخطبتك فقير لكنه يستطيع منحك الحد الأدنى من الحياة الكريمة لقلت لك وافقي واصبري، ولكنه بحسب ما جاء في رسالتك لا يمتلك هذا الحد، وأنت لن تطيقي التحمل خاصة وهناك ديون والتزامات عليه؛ لذلك فالتقييم الموضوعي أنه لا يصلح للزواج.

 

ورطة عاطفية

 

لقد أخطأت -يا ابنتي- باقترابك الشديد من هذا الرجل وحكيك لتفاصيل حياتك له وتلقيك الدعم المعنوي منه حتى أصبحت تربطك به علاقة عاطفية عميقة ليس لها أي مسمى شرعي؛ لأنها حتى لا تصلح كقنطرة للزواج بسبب ظروفه، وفي الحديث (لم يُرَ للمُتَحابِّينَ مِثلُ النِّكاحِ)، ولكن الفقر الشديد يحول دون هذا الزواج، فأنت الآن في ورطة وفي وضع يشبه صراع الإقدام الإحجام.. لديك مشاعر قوية نحوه تجعلك تفكرين فيه كزوج رائع وفي الوقت ذاته يعيش تحت خط الفقر وغير قادر على تحمل نفقات الزواج ولو في حدها الأدنى.

 

لذلك أقترح عليك -يا ابنتي- أن تمنحي هذا الشاب فرصة مدتها 6 شهور.. تتحدثين إليه بصراحة وتقولين له إن فيه الكثير من المميزات ولكنك ترين أن ظروفه المادية لا تسمح بالزواج، خاصة أن عليه ديونًا، لذلك فإنك ستمنحين إياه مهلة 6 شهور كي يسدد ديونه ويبحث عن فرصة عمل مناسبة، خاصة أنكم في بلاد فيها الكثير من فرص العمل لمن يسعى بجدية، وأنه إن كان جادًّا فسيعمل ليل نهار حتى يخرج من عنق هذه الزجاجة.. وأنه خلال هذه الشهور الستة لن يكون بينكم أي لون من التواصل، وبهذه الطريقة أنت تحققين هدفين:

 

الهدف الأول: منح هذا الشاب فرصة لتسديد ديونه وإصلاح أوضاعه المادية والبحث عن فرصة عمل لائقة وإثبات جديته في الزواج.

 

الهدف الثاني: تقومين بتهيئة نفسية لك كي تنسحبي من هذه العلاقة دون جروح.

 

من ناحية تكونين على يقين أنك لم تظلميه لكن هو الذي لم يستطع إدارة حياته بطريقة مناسبة، ومن ناحية ثانية غلق باب التواصل والحديث معه سيجعله ينسحب من حياتك بالتدريج.. فتبحثين عن صديقة تحكين معها وتفرغين مشاعرك عندها أو حتى تعتادي على الكتابة على الورق.. المهم أن ينسحب هذا الرجل من معادلة الإشباع العاطفي عندك؛ لأن بقاءه في هذه المساحة شديد الخطورة.. في البداية ستشعرين بمدى صعوبة الأمر لأنك اعتدت وجوده الداعم في حياتك، لكن بمرور الثلاثة شهور الأولى ستجدين أن الأمور أصبحت تميل للهدوء.. المهم أن تبذلي جهدك في إدارة حياتك بعيدًا عنه.

 

لا تفكري في أي عروض زواج خلال هذه الستة أشهر لأنك منحته وعدًا بالانتظار خلال هذه المدة وهي فرصته لإصلاح أحواله المادية.. بالإضافة إن الدخول في علاقة جديدة لا بد أن يسبقه التعافي من العلاقة السابقة؛ لذلك أنت بحاجة لهذه الشهور الستة حتى تستطيعي السيطرة على مشاعرك وحياتك من جديد، ولكن تذكري جيدًا إن قطع التواصل نهائيًّا هو أهم رافد يساعدك على التعافي.

 

بعد هذه الشهور الستة عليك أن تعيدي تقييمك للتجربة ستجدين أنه لا معنى للشعور بالذنب نحوه، فما هو فيه إن لم يتغير فخارج عن حدود قدراتك على التحمل.. وستشعرين أن حياتك لم تتوقف دونه وأنك قادرة على إدارتها بعيدًا عنه، وأن لديك استعدادًا للزواج بآخر إذا توافرت فيه الشروط المناسبة، فلن تتجمد حياتك رهينة لتجربة أخطأت فيها التقدير..

 

نصيحتي الأخيرة لك -يا ابنتي- أن تكثري من الدعاء لله أن ييسر أمرك ويسعد قلبك ويريح بالك؛ فالقلوب بين اصبعين من أصابع الرحمن.. أصلح الله أحوالك كلها، وتابعيني بأخبارك.

 

روابط ذات صلة:

ليس له عمل.. فهل يتحمل مسئولية الزواج؟

الرابط المختصر :