الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
242 - رقم الاستشارة : 733
19/01/2025
كثيرا ما يتحدث الخطباء والوعاظ عن أجر وثواب النفقة على اليتيم، وينسون التذكير بأجر النفقة على ما يسمون أطفال الشوارع، وهم أشد بؤسا من اليتامى، فما ثواب النفقة عليهم، وهل الأجر موقوف على اليتامى وحدهم ؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعلى الرغم من الثواب الكبير المترتب على النفقة على اليتيم ، غير أن غير الأيتام من الأطفال الذين لا عائل لهم يدخلون معهم من باب أولى، وقد تكون النفقة عليهم والاهتمام بهم أولى وأكثر أجرًا من النفقة على اليتيم الذي ربما يكون غنيا ولا يحتاج إلى رعاية.
ولا شك أن رعاية اليتيم أجرها كبير، وثوابها عظيم، ولقد حفل القرآن الكريم والسنة المطهرة بالنصوص الداعية لذلك، والحاثة عليه، وحذرنا الله تعالى من أن تمتد أيدينا إلى أموال اليتامى بسوء، بل أوجب علينا أن نصلحها ونعمل فيها فقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ (الأنعام: 152)، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ (النساء 10).
ووردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما" رواه البخاري، وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث: (قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك)...
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
مَن اليتيم الذي وعدنا الله بهذا الخير من أجل النفقة عليه وتوعدنا إن نحن قصرنا في حقه أو إتلاف ماله؟
وهل يدخل مع هذا اليتيم من يسمون ظلمًا وبغيًّا (أطفال الشوارع) الذين لا يعرفون آباءهم أو يعرفونهم وقد انقطعت الصلة بينهم فلا ينفقون عليهم ولا يحفظونهم ولا يسألون عنهم؟ وهل يدخل في هذا اللقطاء الذين يعيشون في الملاجئ فلا يعرف لهم نسب، ولا صلة بينهم وبين أمهاتهم ولا آبائهم وأهلهم؟
من أجل أن نجيب عن هذا السؤال لا بد أن ننظر في تعريف الفقهاء لليتيم، والتعريف الذي درج عليه معظم الفقهاء والمفسرين هو أن اليتيم "من مات أبوه قبل أن يبلغ الحلم"، والموت في رأيي -والله أعلم- لا يقف عند الموت الحقيقي الذي نعرفه وهو مفارقة الروح للجسد بل يتعداه إلى غيره كما قال الله تعالى في شأن الكافرين ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ (النحل: 21).
نحو فهم لمقاصد الإنفاق على اليتيم
إن الناظر لمقاصد الشريعة في الإنفاق على اليتيم ورعايته إنما يشعر أن ذلك بسبب اليتم الذي أدى لفقد من يعول هذا اليتيم وينفق عليه ويقوم على رعايته وهو الأب، وهؤلاء الذين لا يعرفون آباءهم ولا أمهاتهم، أو يعرفونهم وقد تخلوا عن مسئوليتهم وواجباتهم نحوهم أولى بالإنفاق والرعاية للأسباب التالية:
أولاً: أن الأمور بمقاصدها وأن الأحكام منوطة بعللها تدور معها وجودًا وعدمًا، فحيث فقد هؤلاء الأبناء عائلهم حقيقة أو حكمًا فهم يدخلون في الحكم مع الأيتام، ويجب على المجتمع أن يحوطهم بعنايتهم وإلا تحولوا إلى قنابل موقوتة، يدمرون أنفسهم وما حولهم. وساعتها ينهدم البيت على من فيه، ولا ينجو أحد.
ثانيًا: أن الأيتام -وإن كانوا فقدوا آباءهم- فهم يتربون في ظل أسرة تقوم فيها الأم مقام الأب، ويعينها على تربيتهم الأجداد والأعمام والأخوال، بل قد يدلل هذا اليتيم وينفق عليه بسخاء أكثر من غيره؛ لأن الناس وبخاصة أهله وأقاربه يتعاطفون معه ليتمه فيغدقون عليه حنانًا ونفقة في الوقت الذي يعيش فيه هؤلاء الأطفال بلا أب ولا أم ولا قريب ولا حبيب، ومن ثم تكون العناية والرعاية لهؤلاء الأطفال أولى من غيرهم.
ثالثًا: قد يموت الرجل ويترك ثروة كبيرة لأولاده فهم أيتام من ناحية الاصطلاح، لكنهم لا يحتاجون مالاً، نعم ليس المال هو كل شيء لكنه من الأهمية بمكان؛ فهم يحتاجون الرعاية العاطفية والنفسية، وهذه الرعاية تقوم بها الأم ربما أكثر من الأب نفسه حيث تلازم الطفل أكثر منه، والأب وإن كان موجودًا فهو مشغول بتحصيل رزقه، وقد ذهب عدد غير قليل من الفقهاء أن الزكاة واجبة في مال اليتيم، إن كان له مال بلغ النصاب ومر عليه الحول.
رابعًا: أن الصدقة سواء أكانت واجبة كالزكاة المفروضة، أم صدقة تطوعيه كسائر الصدقات -وإن كانت من باب العبادات والأصل فيها التعبد والوقوف عند النصوص- فإنها معقولة المعنى، وبالتالي نرى أن قصر ثواب النفقة على اليتيم الذي مات أبوه فقط تعلق بحرفية النص وضياع لمقصد الشرع الحكيم من عناية كل من فقد عائله.
خامسًا: أقترح استبدال كلمة (أطفال المجتمع) بـ(أطفال الشوارع) حتى يتحرك المجتمع ويقوم بواجبه تجاه هؤلاء الأطفال فهم مسئولون منه على سبيل الوجوب لا الندب، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يوصي بالجار بعد أن أوصاه جبريل بالجار وكرر الوصية به حتى ظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيورثه، ونفى الإيمان الكامل عن الذي يبيت شبعان وجاره جائع وهو يدري، كما نفى الإيمان الكامل عمن لا يأمن جاره بوائقه.
سادسًا: أن الإحسان إلى هؤلاء الأطفال والعطف عليهم والعناية بهم واجبة بنصوص قطعية ثابتة متواترة، فهم بلا شك فقراء ومساكين وأي فقر ومسكنة تعدل ما هم فيه يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء لا يسأل عنهم أحد.
والله تعالى أعلى وأعلم.