23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 02/02/2025

هل تتعامل كل البنوك في الربا؟ وهل كل معاملاتها حرام؟ وما حكم العمل في البنوك؟

الإجابة 02/02/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالبنوك التجارية التي تتعامل بالفائدة أخذًا وإعطاء، قرضًا واقتراضًا، تمارس الربا وفق قرارات المجامع الفقهية، ووفق فتاوى جمهور الفقهاء المعاصرين، ووفق التكييف القانوني للعلاقة بين البنك وبين المودع أو المقترض، حيث تعتبر هذه العلاقة قرضًا، وبالتالي تأخذ أحكام القرض في الفقه الإسلامي.

وقد لعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه"، وقال: "هم سواء"، أي سواء في الإثم، لأن الشريعة الإسلامية إذا حرمت شيئًا سدت المنافذ الموصلة إليه.

 

والذي يعمل في البنوك لا يخلو من حالين:

 

أولاً: أن يعمل في أعمال معاونة ـ لا يباشر كتابة عقود الربا أو الشهادة عليه ـ لهذه المؤسسة التي تمارس الحلال في صور معاملات متعددة مثل الحوالات البنكية، والخدمات المصرفية، وتمارس الحرام في صورة الربا المحرم، وفي هذه الحالة يجوز لمن لم يجد عملاً آخر لا يشوبه الحرام أن يعمل فيها.

 

ثانيًا: أن يمارس كتابة الربا أخذًا وإعطاء، وهذا يدخل في حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي لعن فيه آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وهذا العمل لا يجوز إلا في حالة الضرورة أو الحاجة الشديدة التي تنزل منزلة الضرورة، والضرورات تبيح المحظورات، وهي تقدر بقدرها، ويزول الحكم بزوالها.

 

وقد بحث مجمع فقهاء الشريعة هذه المسألة في دورته الخامسة، وانتهى قراره فيها إلى أنه لا يجوز العمل في أقسام القروض والإقراضات الربوية، ومن لم يجد عملاً مشروعًا فيرخص له أن يعمل في البنك الربوي – للضرورة- شريطة أن يكون عمله بها بعيدًا عن الممارسات الربوية أو الإعانة المباشرة عليها.

 

وإليك نص قرار المجمع:

 

الأصل في العمل في المصارف الربوية أنه غير مشروع، للعن النبي – صلى الله عليه وسلم – آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقوله : "وهم سواء"، مع اعتبار الضرورات، على أن تقدر بقدرها ويسعى في إزالتها.

 

وقد رخصت المجامع الفقهية لمن لم يجد عملاً مباحًا, أن يعمل في الأماكن التي يختلط فيها الحلال والحرام, بشرط ألا يباشر بنفسه فعل المحرم, وأن يبذل جهده في البحث عن عمل آخر خال من الشبهات.

 

والمجمع لا يرى ما يمنع من تطبيق هذا الحكم على العمل في المصارف الربوية، فيرخص في العمل في المجالات التي لا تتعلق بمباشرة الربا كتابة أو إشهادًا أو إعانة مباشرة أو مقصودة على شيء من ذلك.

 

وعلينا أن نضع هذه الضوابط لمن يريد العمل في هذه الأماكن أو يعمل فيها:

 

أولاً: أن الرزق والأجل مضمونان من الله حيث يقول الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22].

 

ويقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن روح القدس قد نفث في روعي ألا تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا يطلب بمعصيته".

 

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يُبعث إليه الملك، فيُؤذن بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار. وإنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها".

 

وفي رواية مسلم: "يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين، أو خمسة وأربعين ليلة. فيقول: يا رب! أشقي أو سعيد؟ فيكتبان. فيقول: أي رب! أذكر أو أنثى؟ فيكتبان. ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه. ثم تطوى الصحف. فلا يزاد فيها ولا ينقص".

 

 ثانيًا: أن من ترك شيئًا لله أبدله الله خيرا منه فلا يغرنكم هذه الأموال الكثيرة فقليل دائم خير من كثير منقطع، وكل دم نبت من سحت فالنار أولى به.

 

ثالثًا: أن فتاوى المجامع الفقهية أولى من فتاوى الأفراد أيًّا كان علمهم أو قدرهم وبخاصة في تلك القضايا المعقدة المتشابكة الحادثة.

 

رابعًا: أنه داخل الفتوى نفسها توجد تخصصات متعددة فلا يوجد فقيه يُفتي في كل شيء، وعلى السائل أن يقدر التخصص في الفقه والفتوى وبخاصة المعاملات المالية المستحدثة والمستجدة فلا يذهب إلا إلى المتخصص فيها.

 

خامسًا: علينا بعد الأخذ بالأسباب أن نستفتي قلوبنا وإن أفتانا المفتون؛ فالبر سلامة الصدر والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه الناس، ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

 

والله تعالى أعلى وأعلم