23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

Consultation Image

الإستشارة 03/02/2025

ما حكم الإسلام في التماثيل، وهل يدخل في هذا التصوير الفوتوغرافي؟

الإجابة 03/02/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

ففي موضوع التماثيل، هناك نقاط اتفق عليها العلماء وأجمعوا على حكمها، وهناك نقاط اختلفوا حولها.

 

فقد أجمع العلماء على أن صناعة التماثيل التي يراد منها العبادة والتقديس والتعظيم حرام، ويأثم فاعلها وشاريها وعابدها ومقدسها.

 

كما أنهم اتفقوا على أن التماثيل المصنوعة من باب التدريب والتعليم، أو من باب اللعب والاستئناس للأطفال مباحة شرعًا، أما الصور الفوتوغرافية فالراجح جوازها.

 

ولكنهم اختلفوا فيما سوى هذا إلا أن الذي تكاد تتفق كلمة الفقهاء على منعه: هو ما جمع الأمور التالية:

 

أ - أن يكون صورة لذي روح إن كانت الصورة مجسمة.

 

ب - أن تكون كاملة الأعضاء، غير مقطوعة عضو من الأعضاء الظاهرة التي لا تبقى الحياة مع فقدها.

 

ج - أن تكون منصوبة أو معلقة في مكان تكريم، لا إن كانت ممتهنة.

 

د - أن لا تكون صغيرة.

 

هـ - أن لا تكون من لعب الأطفال أو نحوها.

 

و - أن لا تكون مما يسرع إليه الفساد.

 

(ينظر التفاصيل في الموسوعة الفقهية مادة تصوير)

 

وينبغي أن يكون الضابط في التعامل مع هذه القضية هو تحريم كل ما يؤدي إلى فساد العقيدة، أو رسم وتصوير ما يتوصل به إلى الحرام، أو إظهار عورة الرجل أو المرأة لافتتان الناس بهم وإشاعة الفاحشة بين الناس، أو يكون ثمة سرف وترف يقدس الظالمين ويخلد ذكرهم بالإنفاق على التماثيل من جيوب الشعوب البائسة الفقيرة، ضربًا لعرض الحائط بسلم الأولويات في الشريعة الإسلامية التي تركز على الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينيات، وفق حفظ الدين والنفس والنسل والعقل والمال.

 

أما الصور الشمسية والتصوير السينمائي فتضبطها الضوابط العامة من عدم تصوير العورات بالنسبة للرجل أو المرأة، أو استخدام الصورة في الإثارة الرخيصة أو العنف أو غير ذلك من المحرمات.

 

ولا أظن أن مسألة التصوير الآن موضع خلاف كبير بين العلماء، فكثير من الذين كانوا يحرمون التصوير بكافة صوره وأنواعه وأشكاله، ولا يجيزونه إلا في حالة الضرورة التي تبيح المحظور، كثير من هؤلاء لهم حضور مكثف وملحوظ عبر الفضائيات التي شاعت وذاع أمرها في الوقت الحالي، فلو كان ثمة تحريم للتصوير بعد هذا فسنكون قد وقعنا في ازدواجية مضحكة!

 

أما الأحاديث التي اعتمد عليها من أجازوا التماثيل التي تُصنع لغير العبادة، فهي نفسها التي اعتمد عليها المانعون، ولكنهم اختلفوا في العلة من التحريم وبالتالي اختلفوا في الحكم الذي يدور مع العلة وجودًا وعدمًا.

 

وأهم هذه الأحاديث هي:

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه، وتلون وجهه. فقال: يا عائشة: أشد الناس عذابًا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله. قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين" (رواه البخاري ومسلم).

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "واعد رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جبريلُ أن يأتيه في ساعة، فجاءت تلك الساعة ولم يأته . قالت: وكان بيده عصا فطرحها، وهو يقول: ما يُخلف الله وعده ولا رسله. ثم التفت، فإذا جرو كلب تحت سرير، فقال: متى دخل هذا الكلب؟ فقلت: والله ما دريت به. فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعدتني فجلست لك ولم تأتني؟ فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك. إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة" (رواه البخاري ومسلم).

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنه دخل دارًا تُبنى بالمدينة لسعيد، أو لمروان، فرأى مصورًا يصور في الدار، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقًا كخلقي، فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة" (رواه البخاري ومسلم).

 

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه جاءه رجل فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها. فقال: ادن مني، فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه، حتى وضع يده على رأسه، وقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسًا، فيعذبه في جهنم"، ثم قال: "إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له" (رواه مسلم).

 

- علة التحريم في صناعة التماثيل:

 

فبعض العلماء يرى أن علة المنع أن تعبد من دون، وبالتالي أجازوا كل التماثيل التي لا ينوي صانعها أن تعبد من دون الله، أو كانت البيئة التي تصنع فيها التماثيل لا تعبد هذه التماثيل.

 

وبعضهم يرى أن علة المنع هي مضاهاة خلق الله تعالى، وقد وردت الأحاديث التي تطلب ممن يصنع التماثيل أن ينفخوا فيها الروح يوم القيامة.

 

ومنهم من يرى أن العلة مجرد الشبه بفعل المشركين الذين كانوا ينحتون الأصنام. ويعبدونها، ولو لم يقصد المصور ذلك، ولو لم تعبد الصورة التي يصنعها، لكن الحال شبيهة بالحال.

 

ومنهم من يرى أن سبب المنع هو أن وجود الصورة في مكان يمنع دخول الملائكة إليه.

 

ومن ينظر إلى أفعال صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم أقرب الناس من عهد التشريع، وأكثر فهما لمراد الله ـ عز وجل ـ ومراد نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجد أنهم كسروا الأصنام حول الكعبة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وتركوها في بلاد أخرى كمصر وأفغانستان لأن أهلها لم يعبدوها من دون الله، ولم تكن خطرًا على عقيدة المسلمين الذين استقر الإيمان في قلوبهم وعقولهم.

 

وقد ذكر الله التماثيل في عهد سليمان عليه السلام فعدها من نعم الله تعالى عليه وعلى أمته، وذكرها في عهد إبراهيم الخليل عليه السلام فعدها شركًا وكفرًا لأنها كانت تعبد من دون الله تعالى.

 

يقول الله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الأنبياء: 51- 54].

 

ويقول الله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 12 -13].

 

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن تعلق ستائر فيها تصاوير أمامه وهو يصلي فلما رفعتها وصنعت منها وسادة ممتهنة لم يردَّها ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما أجاز لها أن تلعب بهذه التماثيل في بيته، لأنها ممتهنة. وهكذا ينبغي أن يكون ضابط التحليل والتحريم.

 

والله تعالى أعلى وأعلم