الإستشارة - المستشار : د. خالد المذكور
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
237 - رقم الاستشارة : 756
22/01/2025
من المعلوم أن من مسائل إثبات حد السرقة في الإسلام الشهادة، ومعلوم أنه يشترط لذلك شهادة شاهدين رجلين عدلين، ومعلوم أن هناك شروطًا لقبول الشهادة منها انتفاء العداء بين الشاهد والمتهم، ومنها عدالة الشاهدين وغير ذلك... ولكن السؤال هو هل يكفي توافر نصاب الشهادة لإقامة الحد؟ بمعنى أنه لو شهد اثنان بأن فلانًا قد سرق مالًا بلغ النصاب، وانقضت فيه شبهة الملكية، فهل يقام الحد على السارق؟ أليس ذلك يعني أن أي شخص يكون عرضة لمثل هذا الاتهام خاصة في مثل هذا الوقت الذي فسدت فيه الذمم خاصة وأن العقوبة شديدة؟ وكيف يمكن إثبات عدالة الشاهد في زماننا هذا؟ أم أنه لا بد أن يصل القاضي إلى قناعة بصدق الشاهدين؟ بمعنى أنه لو شهد اثنان بأنهما شاهدا المتهم في ليلة السرقة يدخل البيت المسروق منه، ويأخذ الشيء المتهم بسرقته فهل يقام الحد لو أثبت المتهم بتقرير طبي أنه مصاب بمرض لا يمكنه من الرؤية في الليل أبدًا، أو كان الشاهدان قد شهدا بأن ليلة السرقة كان الجو فيها صحوًا، بينما ثبت أن تلك الليلة كانت ممطرة؟ فهل تؤخذ هذه القرائن لقدح الشهادة؟ وماذا لو أتى الخصم بشهود آخرین اثنين أو أكثر شهدوا أن المتهم كان معهم طوال ليلة السرقة التي ذكر فيها أن الشاهدين الأولين رأيا فيها المتهم يسرق؟ فأية شهادة تعتبر في هذه الحالة؟ وهل يقام حد السرقة على غير المسكين؟
اشترط الإسلام شروطًا يجب أن تتوافر في الشهود حتى تقبل شهادتهم في الحدود، وهذه الشروط هي:
1- الإسلام عند جمهور الفقهاء.
2- العدالة: ويكفي أن يعرفوا بعدم الكذب عادة، وذلك لقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه﴾ (الطلاق: 2)، فلا يجوز قبول شهادة من عرف بالفسق وفساد الأخلاق والكذب.
3- البلوغ والعقل وهما معروفان.
4- الحفظ وعدم النسيان، فمن كثر نسيانه وساء حفظه فلا تقبل شهادته.
5- ألا تكون بينه وبين من يشهد عليه علاقة مودة أو عداوة، وهو ما يسمى بنفي التهمة.
وقد تكلم الفقهاء كثيرًا في هذه الشروط، وبسطوا الكلام في كتبهم مع اختلافهم في بعض الفروع ضمن هذه الشروط.
وعلى القاضي الحكم بإقامة الحد أن يطمئن إلى توافر هذه الشروط بحسب العرف والعادة والبيئة، ويبرئ ذمته أمام الله -سبحانه- ولا إثم عليه، فإذا اقتنع واطمأن بعدالة الشهود حكم بإقامة الحد على السارق إذا توافرت أركان جريمة السرقة، وإذا تناقضت أقوال الشهود أو رجعوا عن شهادتهم قبل إصدار الحكم فلا يقام الحد؛ لأن تناقض أقوالهم ورجوعهم شبهة تدرأ إقامة الحد لقوله صلى الله عليه وسلم "ادرؤوا الحدود بالشبهات".
وكذلك إذا قامت قرينة تبلغ حد اليقين تدل على عدم ارتكاب جريمة السرقة مثل ما ذكرته في رسالتك من أن المتهم أثبت بتقرير طبي أنه مصاب بمرض لا يمكنه من الرؤية في الليل أبدًا، وجريمة السرقة قامت بالليل، فلا يقام الحد.
إن الشريعة الإسلامية وضعت من الضوابط والقيود ما يضمن إقامة الحدود، وأي شبهة تقوم لصالح المتهم تدرأ إقامة الحد، وإجابة عن تساؤلك في رسالتك، وهو هل يقام حد السرقة على غير المسكين، فيكفي للإجابة قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها»، وذلك حينما جاءه أسامة بن زيد يكلمه في شأن المرأة المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتمجده.