23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

حكم طلاق الموسوس.. وماذا يفعل من ابتلي به؟

الإستشارة 16/01/2025

أنا رجل مبتلى بداء الوسواس القهري فهو يسيطر علي سيطرة كاملة ، ودائما يلح على حتى أضطر إلى التلفظ بكلمة الطلاق الصريح لزوجتي، على الرغم من أني أحبها جدا ولا أريد طلاقها، ولكنها الوساوس اللعينة التي تلح علي حتى أنطق بهذه الكلمة ثم أندم ندما شديدا بعدها، فماذا أفعل، وهل يقع الطلاق ؟

الإجابة 16/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فطلاق الموسوس، لا يقع سواء كان خاطرًا في ذهنه لم ينطق أو يتلفظ به، أو تلفظ به تلفظًا صريحًا، وعلى السائل أن يأخذ بكل أسباب العلاج المتاحة والمباحة، ونسأل الله أن يعجل له الشفاء.

من الأمراض الخطيرة التي تحدث عنها الفقهاء القدامى والمحدثون مرض الوسواس الذي يصيب الإنسان عامة، والمسلم خاصة فيحيل حياته إلى جحيم لا يطاق، ويفسد عليه دنياه وربما آخرته والعياذ بالله.

وهذا المرض له مظاهر عديدة، فقد يأتي للمسلم فيشككه في إيمانه بالله تعالى، ويلح على عقله ويسيطر على فكره حتى يقنعه أنه غير مسلم، فيفزع ويبادر بنطق الشهادتين، ويغتسل ويعاوده مرة أخرى حتى ييأس ويعلم أنه هالك فيترك الإسلام وكل ما يتصل به.

وقد يأتيه في الطهارة أو الصلاة فيشككه في طهارته، ويشككه في صلاته، يدخل لقضاء حاجته فلا يخرج إلا بعد فوات صلاة الجماعة، وربما بعد فوات وقت الصلاة، ويتحول المسلم من العيش للإسلام للعيش في الحمام!!

ويشككه في صلاته فلا يعرف كم صلى، ولا يعرف هل نوى أم لا، ولا يعرف هل كبّر تكبيرة الإحرام أم لا ويظل هكذا حتى ينقطع عن الصلاة.

وفي واقعة السؤال يأتي الوسواس في موضوع الطلاق، فيظل يلح على السائل حتى يتلفظ بالطلاق وهو كاره له، غير راغب فيه، ولا يسكت عنه الوسواس حتى ينطق بلفظ الطلاق؛ ليستريح من الوساوس إلى حين، ويبدأ رحلة أخرى من العذاب، وهو تأنيب الضمير بعد هدم الأسرة وتشتت شملها، وضياع الأطفال، فما موقف الشريعة الإسلامية من هذا الطلاق؟؟

ونحب قبل أن نجيب عن هذا السؤال أن نضع بين يدي السائل هذه الحقائق:

أولاً: أن الله تعالى أرحم بنا من أمهاتنا ومن أنفسنا التي بين جنبينا، ولا يعقل أن يكلفنا ما لا نطيق، وعلى هذا تضافرت النصوص من القرآن والسنة، يقول الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 185).

﴿مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (المائدة: 6).

﴿مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ (النساء: 147).

ثانيًا: أن الموسوس مريض، وأحكام المرضى في الفقه الإسلامي تختلف عن أحكام الأصحاء، وبالتالي لا يمكننا معاملته معاملة الصحيح في صلاته ولا طلاقه.

ثالثًا: على الموسوس أن يأخذ بأسباب العلاج التي وضعها الله عز وجل وفق سننه في الأرض، وأن يأخذ بالأسباب حتى يعافيه الله تعالى.

رابعًا: على الموسوس أن يقرأ في الفقه أو يسأل فقيهًا يرجح له أيسر الآراء، حتى يخرجه من هذا الحرج ويعود لحالته الطبيعية.

خامسًا: على الموسوس ألا يعذب نفسه ويتهمهما في كل شيء، وعليه أن يوقن بأن له ربًا غفورًا رحيمًا، توابًا حكيمًا، ودودًا شكورًا هو الذي ابتلاه بالمرض، وهو القادر على رفع الضر، وذهاب البأس، ولن يؤاخذه في حال مرضه بما يؤاخذ به الأصحاء.

سادسًا: عليه أن يطمئن على إيمانه وعباداته، ما دام يجتهد وسعه، وسيكون له أجران إن شاء الله، أجر المشقة وأجر العمل.

سابعًا: يحذر الموسوس من ترك العمل بحجة أنه لا فائدة فيه، أو طلاق زوجه والانفصال عنها حتى يستريح من الوساوس فتلك نزغات الشيطان، ووسوسة النفس بل عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله تعالى.

وأما طلاق الموسوس، فلا يقع سواء كان خاطرًا في ذهنه لم ينطق أو يتلفظ به، أو تلفظ به تلفظًا صريحًا.

نقل ابن عابدين عن الليث: في مسألة طلاق الموسوس أنه لا يجوز طلاق الموسوس، قال: يعني المغلوب في عقله، ومعنى لا يجوز أي لا يقع.

ويقول ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين: إن المطلق إن كان زائل العقل بجنون أو إغماء أو وسوسة لا يقع طلاقه.

ويقول الشيخ ابن عثيمين:

إن المبتلى بوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به في لسانه إذا لم يكن عن قصد؛ لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة بل هو مغلق مكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: "لا طلاق في إغلاق"، فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة فهذا الشيء الذي يكون مرغمًا عليه الإنسان بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق.

والله أعلم