22 فبراير 2025

|

23 شعبان 1446

إلقاء السلام على غير المسلمين

الإستشارة 18/01/2025

جيراني من غير المسلمين هل يجوز لي إلقاء السلام عليه ورد السلام؟ أم لا يجوز؟

الإجابة 18/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فهذه قضية خلافية بين الفقهاء قديمًا وحديثًا، فكرهها الحنفية والمالكية، ولم يجزها الشافعية والحنابلة، وقد أجازها عدد من الفقهاء من عهد الصحابة إلى يوم الناس هذا، وهذا ما نرجحه للفتوى، خاصة لو كانت هناك علاقات جوار أو زمالة في العمل أو مصاهرة أو شراكة في المال أو غير ذلك.

فمن السنن المؤكدة التي أمرنا الله تعالى بها، وحثنا عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إفشاء السلام، يقول الله تعالى: ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون﴾ (النور: 61).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم"، ورد السلام على المسلم وغيره واجب لقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ (النساء: 86).

وقد اختلف الفقهاء حول إلقاء السلام على غير المسلم، فذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة ذلك، وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم الجواز.

ودليلهم على ذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه".

وذهب بعض الفقهاء إلى جواز ذلك منهم ابن عباس وابن مسعود وأبو أمامة من الصحابة، ومن بعدهم: عامر الشعبي وعمر بن عبدالعزيز والأوزاعي وسفيان بن عيينة، ورجحه جماعة من متأخري العلماء كالسيد رشيد رضا وفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وغيرهم، وذهب إلى هذا الرأي المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء، ودليلهم على ما ذهبوا إليه ما يلي:

1- قول الله تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة: 8).

2- وقوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا﴾ (مريم: 47).

3- وقوله تعالى: ﴿وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (الزخرف: 88- 89).

4- وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص: 55).

5- وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور: 27).

وكان ردهم على الاستدلال بالحديث السابق أن هذا مقيد بوقت الحرب، حيث ورد هذا الحديث بروايات أخرى أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال: "إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدؤوهم بسلام"، وكان هذا في يهود بني قريظة، فلا يتصور أن يبدؤوهم بالسلام بعد خيانتهم، والسلام لا يناسب جو الحرب؛ لأنها ليست كلمة تقال باللسان ثم تخالفها الأقوال.

وهذا الرأي الأخير هو ما نرجحه للفتوى، وخاصة إن كانت هناك علاقات طبيعية بين المسلمين وغير المسلمين، كأن يكونوا جيرانا، أو زملاء عمل، أو بينهم قرابات ومصاهرة، أو بينهم وبين بعضهم معاملات أخرى تجعل مقابلاتهم متكررة.

والله تعالى أعلى وأعلم