23 فبراير 2025

|

24 شعبان 1446

استحالة النجاسة وما يترتب عليه من أحكام

الإستشارة 05/01/2025

نسمع كثيرا عن موضوع استحالة النجاسة أي تحولها بأسباب طبيعية، أو بتأثيرات ومعالجات كيميائية إلى عين أخرى، فهل هذا يحولها إلى عين طاهرة مطهرة يجوز استعمالها في الطعام والشراب ورفع الحدث والنجس أم أنها تبقى على أصل نجاستها ؟

الإجابة 05/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فموضوع استحالة النجاسة موضوع قديم تكلم فيه عدد من الفقهاء القدامى، وعلى الرغم من ذلك ظهرت هذه المسألة في السنوات الماضية بعد اختلاط المسلمين بغيرهم من غير المسلمين في أوربا وأمريكا وغيرها من بلاد غير المسلمين، وبعد أن تقدم العلم وأصبحت شحوم الخنزير عنصرًا أساسًا في أشياء كثيرة يستعملها المسلمون بداية من الحلويات ومرورًا بالمنظفات ومواد التجميل وغيرها، وانتهاءً بالأمصال التي تُكسب الإنسان المناعة من الإصابة بالأمراض كشلل الأطفال وغيرها.

 

والخنزير نجس بإجماع الفقهاء، وبالتالي تصور الناس أنه إذا وُضع في أي شيء طاهر فإنه ينجسه، وهنا يأتي دور الفتوى في هذا العالم المفتوح لتوظيف التراث الفقهي القديم، والإفادة منه في رفع الحرج والمشقة عن عدد غير قليل من المسلمين في بلاد الغرب والشرق غير المسلم.

 

وخلاصة الفتوى في هذه المسألة أن النجاسة سواء أكانت خنزيرًا أم غيره إذا استحالت إلى عنصر آخر بسبب المعالجة الكيميائية فإنها تتحول إلى شيء آخر غير نجس كما يحدث للخمر إذا تحولت إلى خل.

وكذلك مياه الصرف الصحي التي تعالج كيميائيًّا، وتكرر عدة مرات حتى تعود ماء خالصًا خاليًا من كل الشوائب العالقة به؛ فإنه يكون طاهرًا مطهرًا يصلح للشرب والوضوء والاغتسال وغيره.

 

فعلى الرغم من أن المسألة قديمة لكن التطبيقات الحديثة جعلت منها قضية حديثة تدخل في باب النوازل التي تحتاج إلى اجتهاد معاصر.

 

وقد عالج هذه المسألة فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه الماتع فقه الطهارة وقد نقل أقوال المذاهب الفقهية المتعددة حول هذه المسألة فقال:

 

جاء في (البحر الرائق) من كتب الحنفية: من الأمور التي يكون بها التطهير: انقلاب العين... وإن كان في غيره - أي الخمر- كالخنزير والميتة تقع في المملحة فتصير ملحًا: يؤكل، والسرجين (فضلات الحيوان) والعذرة تحترق فتصير رمادًا: تطهر عند محمد.

 

واتفق الحنفية على طهارة الخمر إذا تحولت إلى خل، سواء أكان تحولها بنفسها أم بغيرها.

 

ومذهب المالكية المفتى به كمذهب الحنفية في ذلك؛ أعني: المفتى به عندهم من قول محمد، وما روي عن أبي حنيفة أيضًا.

 

وكذلك مذهب الظاهرية الذين يمثلهم أبو محمد بن حزم، وله كلام قوي في (المحلّى) يؤيد به تغير الحكم بانقلاب العين واستحالتها.

 

وكذلك مذهب الزيدية، كما في الأزهار وغيره من كتبهم، ومذهب الإمامية أيضًا.

 

وأشد المذاهب في رفض التطهير بالاستحالة مذهب الشافعية، الذين يستصحبون حكم النجاسة والحرمة على العين، وإن انقلبت وتحولت إلى شيء آخر، باسم آخر، ووصف آخر، فيما عدا الخمر إذا تخللت بنفسها، بدون تدخل أو معالجة من الإنسان، وجلد الميتة إذا دُبغ، وهو قول أبي يوسف من الحنفية، وقول في مذهب مالك.

 

وحجتهم في تميز الخمر عن غيرها أن الخمر استحالت عن شيء طاهر كالعنب وغيره، فإذا انقلبت إلى خل، فقد عادت إلى الأصل فطهرت.

 

وهم في ذلك جد مخطئون؛ فإن كل الأعيان النجسة مستحيلة عن أعيان طاهرة؛ فقد بينا أنه تعالى خلق كل الأشياء طاهرة؛ ولذا نجد البول والعذرة -وهما النجسان المتفق عليهما- قد استحالا من الطعام والشراب الطاهرين.

 

وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة أيضًا.

 

وقد رجَّح شيخ الإسلام ابن تيمية ما ذهب إليه الحنفية والمالكية، فقال: وهذا هو الصواب المقطوع به؛ فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم، لا لفظًا ولا معنى؛ فليست محرمة، ولا في معنى التحريم، فلا وجَه لتحريمها، بل تتناولها نصوص الحل، فإنها من الطيبات، وأيضا في معنى ما اتفق على حله؛ فالنص والقياس يقتضي تحليلها، وعلى هذا استحالة الدم أو الميتة أو لحم الخنزير، وكل عين نجسة استحالت إلى عين ثانية.

 

ورد ابن تيمية على من فرّق بين الخمر وغيرها من النجاسات فقال: هذا الفرق ضعيف؛ فإن جميع النجاسات نجسة بالاستحالة، فإن الدم مستحيل من أعيان طاهرة، وكذلك العذرة والبول والحيوان النجس مستحيل عن مادة طاهرة مخلوقة، وأيضا فإن الله تعالى حرم الخبائث لما قام بها من وصف الخُبث، كما أباح الطيبات لما قام بها من وصف الطيب، وهذه الأعيان المتنازع فيها ليس فيها شيء من وصف الخبث، وإنما فيها وصف الطيبات. هـ باختصار وتصرف.