الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
45 - رقم الاستشارة : 1711
24/04/2025
ما الحكمة من تعظيم الأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة؟ وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من سائر الأعمال في سائر الأيام حتى الجهاد؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالتفضيل هذا من الله تعالى ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: 23]، والله سبحانه وتعالى فضّل بعض الأنبياء على بعض، وفضّل بعض الشهور على بعض، وفضل بعض الأيام على بعض، وفضل بعض المساجد على بعض لحكمة يعلمها، ولا مانع من أن نجتهد في التعرف على هذه الحكمة، لكننا نؤمن بتفضيلها ما دام الله فضلها، ثم نبحث لنزداد إيمانًا ويقينًا بما قاله الله تعالى.
ولعل من أظهر الحكم وأولها أنها في شهر الله المحرم، وهي من أيام الحج، وفيها يوم عرفة، وما أدراك ما يوم عرفة.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله تعالى- في الإجابة عن سؤال مشابه:
هذه الأيام، الأيام العشرة من ذي الحجة هي من أفضل الأيام عند الله تبارك وتعالى كما روى الشيخان عن ابن عباس، الحديث الذي ذكرته هذا "ما من أيام أحب إلى الله تعالى العمل الصالح.." فإن من هذه الأيام الأيام العشرة. لماذا فضلها الله تبارك وتعالى؟
أولا: التفضيل والتخصيص والاجتباء شأن إلهي، سبحانه وتعالى من شأنه أن يفضل بعض الأيام على بعض وبعض الشهور على بعض وبعض الساعات في الليل والنهار على بعض كما يفضل بعض الأماكن على بعض.
لماذا فضّل المسجد الحرام على المساجد الأخرى، فضّل المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى على سائر المساجد في العالم ولا تشد الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، وجعل الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في ما عداه من المساجد إلا في المسجد النبوي والصلاة فيه بألف صلاة والمسجد الأقصى الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، لماذا فضّل مكة على سائر البقاع والمدينة، هذا من تفضيل الأماكن، وهناك تفضيل الأشخاص لماذا فضّل النبيين على سائر البشر، وفضّل النبيين بعضهم على بعض ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾ [البقرة: 253].
الله من شأنه أن يفضل ويختار ويختص كما قال تعالى ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القصص: 68] فهو يختار من الأشخاص ويختار من الأماكن ويختار من الأيام ما شاء عز وجل لأسرار يعلمها هو سبحانه وتعالى، أحيانًا يبين لنا سر هذا الاختيار، لماذا فضّل شهر رمضان على غيره؟ قال: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ..﴾ [البقرة: 185].
لماذا فضّل ليلة القدر على غيرها؟ قال لأنه أنزل فيها القرآن، وقال: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ [القدر: 1].
هذه الأيام أيام العشرة من ذي الحجة هي أيام فضلها الله تعالى أولا: لأن شهر ذي الحجة هو من الأشهر الحُرُم، والأشهر الحُرُم مفضلة عند الله سبحانه وتعالى على سائر الأشهر، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36]، هي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، فهذا الأشهر الحُرُم مفضلة عند الله...
فالعشرة أيام الأولى من شهر ذي الحجة مفضلة لأنها من الشهر الحرام شهر ذي الحجة ولأن شهر ذي الحجة بالذات اجتمع فيه أمران أنه من أشهر الحج ومن الأشهر الحُرُم، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197]، شوال وذو القعدة وذو الحجة. شوال من أشهر الحج وليس من الأشهر الحُرُم ولكنْ ذو الحجة اجتمع فيه الأمران هو وذو القعدة فهما من الأشهر الحُرُم وأشهر الحج، أيضًا.
هذه الأيام يقع فيها كثير من أعمال الحج، يوم التروية في الثامن من ذي الحجة ويوم عرفة في التاسع من ذي الحجة، ويوم الحج الأكبر وهو اليوم العاشر يوم العيد، يوم النحر، هو يوم العاشر من ذي الحجة وأفضل أيام السنة في هذه العشرة وهو يوم عرفة، فليلة القدر هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق ويوم عرفة هو أفضل أيام السنة على الإطلاق، كما أن ليالي العشرة من رمضان أفضل الليالي، فأيام العشرة من ذي الحجة فيها أفضل الأيام، فهذه بعض فضائل هذه الأيام العظيمة التي صح في الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التنويه بها والحث على طاعة الله فيها والبحث عن طاعة الله فيها.
والله تعالى أعلى وأعلم