الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
83 - رقم الاستشارة : 1389
22/03/2025
بعض الدعاة والوعاظ يطلبون من الناس عدم الدعاء لأهل غزة والمستضعفين لأننا لم ننصرهم بأنفسنا وأموالنا كما ينبغي، فهل هذا ذا الكلام صحيح ؟ واما الفائدة التي تعود عليهم من إيقاف الدعاء ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فنحسب -والعلم عند الله- أن الدعاة الذين طلبوا من المسلمين التوقف عن الدعاء لأهل غزة خاصة، والمظلومين في شتى بقاع الأرض عامة نيتهم طيبة، وقد دفعهم إلى هذا الرأي ما رأوه من تدمير وقتل وحرق وسلب ونهب لدماء وأموال المسلمين في كل مكان ونحن لم نتجاوز مرحلة الكلام، ولعلهم يقصدون ويطلبون من المسلمين الانتقال من مرحلة الكلام إلى مرحلة الفعل.
وقد يكون كلامهم صحيحًا فيمن يملك الجهاد بالمال أو النفس ولا يفعل في هذا الوقت الذي تحول الجهاد فيه إلى الفروض العينية وليس من فروض الكفايات، أما الذي يعجزون عن الجهاد بالمال أو النفس، فلا يمنعون من الدعاء، فربما تحرك بدعوتهم آخرون، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب مبلغ أوعى من سامع.
وقد تداول كثير من الغيورين مقاطع بعضها مصور وبعضها مكتوب لدعاة يطلبون من المسلمين عدم الدعاء لغزة، معللين ذلك بأن الدعاء لن يستجاب ومستدلين بحديث المعصوم –صلى الله عليه وسلم- ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم.
وقد سئلت من بعض الأحباب عن رأيي في هذا الكلام بعد أن ضجّت المساجد في شرق البلاد وغربها بالدعاء والقنوت في الصلوات الخمس بالدعاء للمظلومين عامة ولأهل غزة وفلسطين خاصة.
وأقول وبالله التوفيق: من القواعد الذهبية في الفقه الإسلامي أن الميسور لا يسقط بالمعسور، ومعناها إذا كنت فعلا لا أملك إلا الدعاء فالدعاء لهم واجب وليس مستحبًا.
ومن التنزيل المعجز قوله تعالى: (.... لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، (لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا).
والدعاة هنا يقصدون هنا ألا نكتفي بالدعاء إن كان يمكننا غيره، فمن يملك التبرع بالمال، ويضن به، أو يملك الجهاد بالنفس ويضن بها، أو يستطيع أن يغير هذا المنكر بأي درجة من درجات الإنكار ولا يقدمه، فلا ينفعه الدعاء.
لكن ماذا تفعل الملايين في شتى بقاع الأرض الذين لا يجدون إلى الجهاد بالنفس أو المال سبيلا؟
إن الدعاء سلاح المؤمن، وعندما أرى وأسمع دولاً كثيرة من غير الناطقين باللغة العربية يقنتون في الصلوات الخمس، ويجأرون إلى الله بالدعاء، ويورثون هذه القضية لأولادهم وأحفادهم وأمنعهم بحجة أنهم إما أن ينصروا إخوانهم بأنفسهم وإما يسكتون فأنا أحرم الناس من أجر كبير، سواء الداعي أو المدعو له.
وقد روى الترمذي عن زيد بن ثابت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نضّر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه. قال الترمذي: حديث حسن.
ثم إن الدعاء المستمر والدائم في الصلوات بالإضافة إلى أنه مشروع ومسنون، نوع من الجهاد بالكلمة، والجهاد باللسان الذي يجعل القضية -قضية فلسطين- حية في قلوب الناس وعقولهم تتوارثها الأجيال.
والخلاصة أن الجمع أولى من الترجيح، وعلينا أن نكثر من الدعاء ونسعى بكل ما نستطيع في الوسائل الأخرى.
والله تعالى أعلى وأعلم