الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
161 - رقم الاستشارة : 934
09/02/2025
السؤال: أنا أقيم في بلد أوربي يرتفع فيه مستوى دخل الفرد ولا أعرف فيه فقراء، فهل يجوز لي إرسال زكاة الفطر لأهل البلد الأصلي الذي أقيم فيه؟ أم يتعين علي إنفاقها حيث أقيم؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالأصل في زكاة الفطر أن تخرج في بلد المزكي، ويجوز نقلها من بلد المزكي إلى بلد آخر، إذا دعت الحاجة إلى هذا النقل.
وزكاة الفطر صدقة واجبة على الرأي الراجح عند الفقهاء، وحكمة مشروعيتها أنها طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، وإغناء لهم عن ذل المسألة يوم العيد الذي يفرح فيه المسلمون حيث إنهم وفقوا لأداء فريضة الصوم.
روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".
والأصل في إخراج زكاة الفطر هو مكان إقامة المزكي، بخلاف زكاة المال التي يكون الأصل فيها مكان مال المزكي، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة.
فيرى الجمهور أنه لا يجوز إخراج الزكاة عن موطن المزكي، ويرى الحنفية كراهة إخراجها بغير عذر معتبر، ودليلهم على ذلك ما رواه البخاري بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم".
وما نرجحه للفتوى في هذا العصر رأي الحنفية وبعض المالكية الذين يجيزون إخراجها عن موطن إقامة المزكي إن كانت هناك مصلحة للفقير في هذا الأمر.
ومن هذه المصالح المعتبرة في عصرنا الحاضر ما يلي:
1- نقلها إلى مواطن الجهاد في سبيل الله، وهي كثيرة في عصرنا الحالي كفلسطين وغيرها، وهذا مصرف من مصارف الزكاة وهو مصرف في سبيل الله، ويرى جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة جواز دفع زكاة الفطر للأصناف الثمانية بخلاف المالكية الذين يقصرونها على الفقراء والمساكين، وهو ما رجحه ابن تيمية.
2- نقلها إلى المؤسسات الدعوية أو التعليمية أو الصحية التي تستحق الصرف عليها من أحد المصارف الثمانية للزكاة، ففي بعض البلاد لا يجد المسلمون مكانًا يعلمون فيه أولادهم أو يعالجون فيه فقراءهم أو يؤدون فيه شعائر دينهم.
3- نقلها إلى مناطق المجاعات والكوارث التي تصيب بعض المسلمين في العالم، وهم بلا شك أولى في سلم أولويات الإنفاق من غيرهم، وهي في عالمنا المعاصر كثيرة، وهؤلاء الذين لا يجدون القوت الضروري أو السكن الذي يحميهم من قرّ الشتاء وحرّ الصيف.
4- نقلها إلى أقرباء المزكي المستحقين للزكاة، والأقربون أولى بالمعروف، لما ثبت في الحديث الذي رواه الترمذي وأحمد بسندهما عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة".
5- وقد يقيم المزكي في بلاد يرتفع فيه مستوى دخل الفرد، ويقل فيه الفقراء الذين لا يجدون الحاجات الضرورية أو ينعدمون، وبالتالي يكون من الأفضل نقلها إلى الفقراء والمحتاجين حتى لو كانوا في بلد ٱخر.
والزكاة وإن كانت عبادة، والأصل في العبادات التوقف، لكنها عبادة معقولة المعنى، وحيثما تكون مصلحة الفقير يكون الحكم الفقهي.
والله تعالى أعلى وأعلم