الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
237 - رقم الاستشارة : 715
17/01/2025
هل يجوز دفع الضرائب والجمارك وخاصة لو كانت ظالمة، وهل يجوز للمسلم أن يعمل في جبايتها؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فالأصل في التشريع الإسلامي هو الزكاة، وهي أعدل ما عرفته البشرية من نظم مالية واقتصادية، حيث ينتفي الظلم في هذا التشريع عن أصحاب المال وكذلك الفقراء، أما الضرائب والجمارك فهي نظم وضعية، ولا مانع أن يلجأ إليها الحاكم إذا لم تكف موارد الزكاة احتياجات الدولة بعد الرجوع إلى أهل الحل والعقد من المتخصصين في الفقه والقانون والاقتصاد وغيرهم، بشرط ألا تؤدي إلى ظلم أصحاب الأموال، وأن تنفق في مصارفها التي تعود بالنفع على الفقراء والأغنياء على حد سواء، وفي هذا الموضوع تفاصيل مهمة يمكن للقارئ الكريم مطالعتها من خلال الأسطر التالية.
للإجابة عن هذا السؤال لا بد أن نعرض للنقاط التالية:
- هل يجوز لولي الأمر في الدولة الإسلامية أن يفرض ضرائب أو جمارك؟
- حكم دفع هذه الضرائب والجمارك من قبل أفراد الشعب.
- حكم العمل في جباية الجمارك والضرائب.
أولا: فرض ولي الأمر للضرائب والجمارك:
الأصل في النظام المالي للدولة الإسلامية هو دفع الزكاة، ونظام الزكاة أفضل من الضريبة لعدة أسباب:
1- هذا النظام يخاطب ضمير الفرد، ويحسه على دفع هذا الفريضة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمس، ويرغبه في الثواب الأكبر من الله تعالى، فيقول الله تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (البقرة: 245)، ويقول تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 261).
ويرهب من تركها، ويتوعد من يفعل هذا بالعقاب الأليم يوم القيامة فيقول: ﴿...وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ (التوبة: 34 -35).
وبالتالي يقل في المجتمع المسلم الذي فهم الإسلام فهما صحيحًا التهرب من أداء هذه الفريضة، وهي واجبة لا تسقط بالتقادم، ويحق للحاكم أن يأخذها عنوة من المسلم ما دام حيًّا وتأخذ من تركته قبل تقسيمها إن مات ولم يدفع الزكاة؛ لأنها عبادة فيها حق لله وحق للعباد.
2- نسبتها قليلة فهي تتراوح ما بين 2.5% إلى 5% على أكثر تقدير، وهذا يشجع المسلم على دفع هذه النسبة القليلة، وبالتالي يكثر عدد المزكين، ويكون هذا في مصلحة الفقراء والمساكين.
3- نظام الزكاة لا يجعل المسلم يدفع الزكاة على مال واحد في العام مرتين؛ فالزكاة تفرض مرة واحدة بخلاف النظام الضريبي الذي يوجب على المال أكثر من ضريبة، كضريبة المبيعات، التي تفرض على المال كلما انتقل من يد تاجر إلى تاجر وبالتالي، يحمل هذا على المستهلك.
4- النسبة التي يدفعها المزكي واحدة لا تتضاعف بتضاعف الدخل؛ فالذي يملك (100000) مائة ألف جنيها مثلا يدفع عنهم 2.5% وهي نفس النسبة التي يدفعها من يملك مائة مليون أو أكثر.
فإذا أقام الحاكم نظام الزكاة، ولم يف هذا النظام للقيام بالحاجات الأساسية والنفقات الواجبة للدولة جاز له أن يفرض وظائف مالية أخرى في صورة ضرائب عادلة لا تطغى على حقوق أصحاب الأموال بعد الرجوع إلى أهل الحل والعقد في تقدير هذه الضرائب، بشرط أن تكون عادلة تأخذ من كل الأغنياء وتنفق في المصالح الأساسية، ولا تنفق إلا على الحاجات الضرورية وتنتهي هذه الضريبة بانتهاء الحاجة إليها.
أما الجمارك فلا حرمة في دفعها ما دامت تخدم المصالح العامة، وتكون عادلة حتى تشجع المنتج المحلي من ناحية، ويعود دخلها على عموم الناس من ناحية أخرى، لكن على الحكومة أن توفر البديل المناسب حتى لا يضر الناس إلى استعمال المنتج الأجنبي مهما كان قدر الجمارك.
ثانيًا: دفع الضرائب والجمارك من عموم الناس:
وهي لا تخلو من حالين: إما أن تكون الضرائب والجمارك عادلة، أي تؤخذ بحقها وتنفق في مصارفها، أو تكون ظالمة تؤخذ بغير حق، فإن كانت عادلة فلا إشكال، وإن كانت ظالمة فعلى المسلم أن يدفع عنه هذا الظلم بقدر المستطاع دون أن تكون الوسيلة محرمة، فلا يجوز دفع الرشوة من أجل التهرب من الضرائب، ولكن يجوز الاستفادة من القانون، والاستعانة بالمحاسبين القانونيين لدفع هذا الظلم، أو تخفيفه.
ثالثًا: العمل في جباية الضرائب والجمارك:
وهذا يتوقف على كون هذه الضرائب والجمارك عادلة أو ظالمة، فإن كانت عادلة، فيجوز العمل في جبايتها، وإن كانت ظالمة جائرة فلا يجوز العمل في جبايتها إلا إن كانت النية هي رفع هذا الظلم أو التخفيف منه، وقد أجاز الشيخ ابن تيمية ـ رحمه الله ـ للمسلم أن يعمل في مثل هذه الأماكن إن كان عمله سيخفف من الظلم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: إذا كان مجتهدًا في العدل، ورفع الظلم بحسب إمكانه، وولايته خير وأصلح للمسلمين من ولاية غيره، واستيلاؤه على الإقطاع خير من استيلاء غيره، كما قد ذكر فإنه يجوز له البقاء على الولاية والإقطاع، ولا إثم عليه في ذلك؛ بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه إذا لم يشتغل إذا تركه بما هو أفضل منه.
وقد يكون ذلك عليه واجبًا إذا لم يقم به غيره قادرًا عليه. فنشر العدل بحسب الإمكان ورفع الظلم بحسب الإمكان - فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه، ولا يطالب والحالة هذه بما يعجز عنه من رفع الظلم. أ. هـ.
وبالتالي يجوز للمسلم أن يعمل في هذه الأماكن بنية رفع الظلم أو تخفيفه.
والله تعالى أعلى وأعلم