الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
88 - رقم الاستشارة : 942
10/02/2025
كنا نركب سيارة أجرة خلال شهر رمضان وفوجئنا بالسائق يقرأ القرآن من المصحف، وهذا أصابنا بنوع من الخوف على أنفسنا ولكن منعنا الحياء من الحديث مع السائق كي يكف عن القراءة، فهل ما فعله السائق صوابا؟ وما الواجب علينا في مثل هذه الحالات؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فكثيرًا ما يختلط في أذهان المسلمين الحلال بالحرام، أو يُلبّس عليهم فلا يميزون بين ما يجوز وما لا يجوز، ولا شك أن قراءة القرآن فضلها كبير، وشرفها عظيم، لكن هذا لا يسوغ هذا التصرف، ولا أراه جائزًا بحال للأسباب التالية:
أولاً: هذه القراءة بتلك الكيفية المذكورة في السؤال تنافي التدبر والفهم الذي أمرنا الله بهما، يقول الله تعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [سورة محمد: 24]. ويقول تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) [سورة ص: 29].
والسائق لا يمكنه أن يتفهم آيات القرآن وينظر في المصحف ويقلب صفحاته وهو منشغل بقيادة السيارة، يقول الله تعالى: (... مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ...) [الأحزاب: 4].
ثانيًا: إن العلاقة بين سائق السيارة والركاب علاقة الأجير بالمستأجر، وقد دفع الركاب له الأجرة كي يوصلهم إلى أماكنهم التي اتفقوا عليها مسبقًا، وهذا عقد وإن لم يكن مكتوبًا لكنه معروف وواضح لدى طرفي العقد، ولا يجوز لطرف منهم أن يقصر في واجبه، وعلى السائق أن يبذل أقصى جهده في الحفاظ على سلامة الركاب.
ثالثًا: الحفاظ على أرواح الناس وأموالهم أولى من قراءة القرآن، وهذه القراءة بلا شك ستؤثر على قدرة السائق في التحكم في السيارة والعناية بمن يركبون معه، أو يسيرون على الطريق، وحفظ النفس مقدم على الفرائض ناهيك عن الفضائل والنوافل يقول الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) [سورة المائدة: 32].
رابعًا: هناك بديل لهذه القراءة من المصحف وهي السماع عبر أجهزة التسجيل والاستماع أو الإذاعة الموجودة في كل السيارات الآن، وبالتالي يمكن للسائق الاستماع للقرآن الكريم من خلالها.
خامسًا: مخالفة قوانين المرور التي تحتم على السائق عدم الانشغال إلا بالطريق، وهذه القوانين - وإن كانت وضعية - لكنها لا تخالف الشريعة الإسلامية، بل هي تحمي مقاصد الشريعة التي أتت للحفاظ على الأموال والنفوس.
أما واجب الركاب فكان يحتم عليهم نصح هذا السائق بالحكمة واللين، فربما يجهل الحكم فإن لم يلتزم فيحق لهم مقاضاته وشكواه أمام الجهات المختصة، ولا يشفع له قراءة القرآن لأن العبادات لا تبيح حق الغير، ولا تسقطه، وهذه النصيحة واجبة كما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة... لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم".
والله تعالى أعلى وأعلم